ربما لفتت انتباه كثيرين ظاهرة غريبة، تمثلت في أنّ ثلاثة من بلدان أوروبا العريقة في الكرة، على مشارف إعلان إفلاسها وكأنها شركة مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة، كما يقول رجال القانون. هذه البلدان، هي اليونان أولاً، مهد الألعاب الأولمبية، الفائزة بكأس أوروبا قبل ثلاث سنوات، ولم يكن حينها لا حصاناً أسود ولا أبيض، ولكنه جاء مشاركاً من دون طموح ليعود متوّجا باللقب، تاركاً وراءه كثيراً من الغضب. هذا البلد أعلن قبل أيام ما يشبه الإفلاس، وهبت لنجدته دول كبيرة ومصارف عالمية تحشر نفسها في سياسات الدول وتتعامل معها بمنطق القاصر المحجور عليه. أما البلد الثاني فهو البرتغال الذي له في كل محفل رياضي عِصمة، وفي كل ملعب بصمة، فالعالم يذكر نجمه الأسمر أوزيبيو، ومثلما يذكر حالياً كريستيانو رونالدو الأغلى بعد ميسي، والمدرب مورينيو الأغلى قبل غوارديولا، ويذكر بنفيكا بطل أوروبا لهذا العام. هذا البلد يعيش هذه الأيام على حافة الانهيار الاقتصادي، وهو يشد الحزام حتى تكاد تنكسر العظام، وفي كل ستة أشهر حكومة، بحثاً عن حلول لا يمكن أن تتم بخطة مورينيو ولا بمهارة كريستيانو، ولكن باللجوء إلى التقشف أولاً ودعم أبناء العم والجيران والمصارف. والبلد الآخر هو إسبانيا التي تئنّ تحت وطأة أزمة حادة، فديونها تقارب المائتي مليار يورو.. ولن يكفي بيع منتخب الأروخا بطل العالم، والريال وبرشلونة، الأكثر جذباً وإمتاعا في العالم، ومعهم رفائيل نادال وكل النجوم لتسديد ديْن أبعد النوم عن زباتيرو، فدعا إلى انتخابات عامة في نوفمبر القادم، لعلّ معجزة تأتي فتخرج الأندلس من كابوس الإفلاس الزاحف نحو جيوب الناس. إنّ هذه الصورة المقلوبة، تكشف أحياناً أن الجلد المنفوخ يكون بمثابة ورقة التوت في عديد البلدان التي تجد متعتها وتنفسها في المستطيل الأخضر، وفي نجومها الموهوبين، لكنها تتفطن إلى الحقيقة بعد كل تسعين دقيقة، فينسى الناس أن اليونان هو من ابتدع الأولمبياد، فيضعون رأس باباندريو في المقصلة، وأن كويهلو الذي خلف سقراط في رئاسة البرتغال لا يعني أن الأدب أفضل من الفلسفة، لأنّ الأزمة تعني أن لا يكون قُوتُ الناس مهددا. وتكشف أيضاً أنّ زباتيرو الذي ظلّ يلمّح للرحيل، أدرك أنّ البقاء يعني الخروج على طريقة عبدالله الصغير من غرناطة. وبالتالي فإنّ ارتفاع أسهم نجوم الرياضة في هذه البلدان وانخفاض أسهم السياسيين، يعني أن إمكان الحلّ يكون في الملاعب وليس في تجار المتاعب، أي ماذا لو أوكل الناس أمرهم لغوارديولا في إسبانيا ومورينيو في البرتغال، واستعان اليونانيون بالألماني أوتو ريهاغل، طالما أنّ المستشارة آنجيلا ميركل ترى أن أفضل حلّ لليونان هو أن تبيع بعض جزرها لتتخلص من أزمتها... أي أشبه بمن يبيع كليته لمن يعاني فشلاً كلوياً، أو لمن تؤجر رحمها لمن ترغب في الإنجاب بدلاً منها. أي أنّ الأزمة قد تجد حلّها في.. الجزمة.فالجزمة تصلح لركل الكرة، مثلما تصلح لركل السياسيين الفاشلين أيضاً. إن المفارقة عجيبة، خاصة وأنّ العالم، وهو يستمتع بأداء لاعبي البرتغال وإسبانيا بخاصة، لا يشعر أن هناك تسونامي قادم، قد يكون وبالاً على بورتو والريال وبرشلونة وبنفيكا، ولا يجد النجوم حينذاك بُدّاً من الهجرة إلى حيث لا يدق البنك العالمي بيوت الناس. [email protected]