إذا كان لبنان بلدي بالهوية، فإن مصر بلدي بالهواية، وأنا أعرفها منذ سنوات المراهقة، ولم أنقطع عنها غير سنوات خمس عشتها في الولاياتالمتحدة، واعتبرتها بمثابة نفي. واهتمامي بمصر يتجاوز الشعور الشخصي، ويحكمه رأي قديم وباقٍ، هو أن مصر في مركز القيادة ضمن المجموعة العربية، فإذا اصطلح أمر مصر اصطلحت أمورنا، وإذا انتكس انتكسنا. شباب مصر قالوا كلمتهم وأسقطوا نظام حسني مبارك، ولا بد من النزول عند حكم الملايين من شباب مصر، فهم المستقبل، ومع إدراكي أن الثورة الشعبية، أيَّ ثورة، لا تنجح في يوم، أو شهر، أو حتى في سنة، فإنني أتابع مصر طلباً لخيرها ثم خير الأمة بعدها، وأجد ما يقلقني. وفي حين قلت غير مرة إنني قلق بالولادة، ومن النوع الذي يقضي العمر (مجازاً) على طرف الكرسي وهو يقضم أظافره بأسنانه، فإنني مع ذلك أرى أن القلق له ما يبرره. الولاياتالمتحدة لم يكن لها دور إطلاقاً في ثورة شباب مصر، ثم أقرأ دعوات من كتّاب أميركيين ليكوديين ومراكز بحث إسرائيلية الهوى لدعم الإصلاح السياسي في مصر، بتأييد هذا الطرف أو معارضة ذاك، أو اللعب على الانقسامات داخل الطرف الواحد. إذا كان الإصلاح في مصر أو أي دولة عربية سيأتي عن طريق اميركا، فأنا لا أريده، وهو لا يمكن أن يأتي عن طريقها، لأن أي طرف محلي تتعامل معه الإدارة الأميركية، أيُّ إدارة، يصبح موضع شبهة. حتى إذا تجاوزت الدور الأميركي المعطل، أجد البلد مقسوماً بين الإخوان والسلفيين من ناحية، وكل الأحزاب والقوى الأخرى من ناحية ثانية. ثم هناك خلاف داخل الإخوان، وعندما رشّح عبدالمنعم أبو الفتوح نفسه للرئاسة، فصلت الجماعة أربعة آلاف عضو أيدوا ترشيحه. وشباب الإخوان أسسوا التيار المصري، وكأنه سينافس الحزب الرسمي «الحرية والعدالة»، كما أسست مجموعة أخرى «حزب الريادة». كان الإخوان كتلة متراصة عندما كان لهم عدو واحد هو النظام، فهل كشف غياب العدو التناقضات داخل الحركة؟ ثم ماذا يستفيد الإخوان من التحالف مع السلفيين الذين طلعوا بحملة المليون لحية، ولا اعتراض لي على مليوني لحية، ولكن أسأل مع المتنبي «أغاية الدين أن تحفوا شواربكم...»، أريد الإخوان عنصراً في استقرار البلاد، لا في هزّ الاستقرار. ثم هناك أجهزة الأمن التي خسرت المواجهة مع شباب الثورة وتريد أن تنتقم، فهل إطلاق عتاة المجرمين جزء من ثورة مضادة، وهل تقاعُس الأمن عن مطاردة المجرمين قرار مقصود ليدفِّع الشعبَ ثمنَ ثورته؟ كل أجهزة الأمن العربية قمعية، والمشكلة مع الأمن المصري أنه ضم 1.5 مليون عنصر، أي ثلاثة أضعاف الجيش النظامي. وقد سرّح المجلس العسكري الحاكم ألوف الضباط، ما زاد قلقي من وجود العناصر القمعية ومن غيابها. وعلى سبيل التذكير، فعندما سرّح الاحتلال الأميركي الجيش العراقي، زادت المقاومة أضعافاً وأُطلِق إرهاب هائل. وأسأل نفسي: ماذا سيفعل رجال الأمن المسرَّحون لإعالة أسرهم، وهل يتكرر في مصر النموذج العراقي؟ المجلس العسكري الحاكم سببٌ آخرُ للقلق، فأكثر قراراته ردود فعل أكثر منها أفعالاً، وهو يصل الى قراراته بطرق شبه سرية ويحاكم المدنيين أمام محاكم عسكرية، ويضغط على الصحافيين، ثم يحاول استرضاء الشباب بعد كل تظاهرة، كما في قرارات سجن حسني مبارك وولديه، ومحاكمة رموز النظام السابق، وخروج الوزراء أو تغييرهم حسب الطلب. كل قرار جاء بعد تظاهرة وليس قبلها. والآن أسمع أن المجلس العسكري في طريقه لإعلان مبادئ أساسية تحكم صوغ الدستور الجديد، فهل يريد الجيش أن يكون وصياً على السيادة الوطنية؟ كان المجلس العسكري وَعَدَ بانتخابات برلمانية في أيلول (سبتمبر)، وأقرأ الآن أن الانتخابات هذه ستتأخر شهراً أو شهرين، وكان وعد بانتخابات رئاسية قبل نهاية السنة، فهل ستتأخر هذه أيضاً؟ وفي حين أن استفتاء آذار (مارس) الماضي أظهر أن 78 في المئة من المصريين يوافقون على تعديلات لدستور 1971، وإجراء انتخابات برلمانية أولاً، ثم يعمل البرلمان لوضع دستور جديد، فإن توجُّه المجلس العسكري الحالي بعيد عن نتائج الاستفتاء، فهل إن من بين الأسباب إبقاء المؤسسة العسكرية التي تدير مصالح اقتصادية ضمن «حكم ذاتي» بعيد عن المراقبة البرلمانية أو القضائية؟ كل ما سبق أسباب لإثارة قلقي الشخصي على مصر والأمة من بعدها. [email protected]