ماكرون: "السيناريو الأسوأ" يتمثل بخروج إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    ترمب يصعّد معركته ضد باول.. حرب الفائدة تربك الأسواق الأميركية    الأمونيا الصديقة للبيئة ووقود الطيران المستدام يسرعان معدلات النمو للصناعات النظيفة    جامعة الملك سعود و"جمعية المنتجين" تعززان تعاونهما الفني والثقاقي    أخلاقيات متجذرة    الأسيرة الفلسطينية.. حكاية الألم    دول أوروبية بلا حدود داخلية    انتصار كاسح لسيتي على يوفنتوس في «مونديال الأندية»    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    القادسية.. موسم ذهبي وأرقام قياسية في موسم مثالي    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    اختتام فعاليات المؤتمر العلمي الثاني لجمعية التوعية بأضرار المخدرات    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    رسميًا.. رونالدو مستمر مع النصر حتى 2027    انطلاق صيف منطقة عسير 2025 "أبرد وأقرب" برعاية سمو أمير المنطقة    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    القبض على (31) إثيوبياً في عسير لتهريبهم (465) كجم "قات"    اللواء الودعاني: حرس الحدود يواصل أداء واجباته في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود    أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    ليفربول يواصل تعاقداته الصيفية بضم لاعب جديد    موعد الظهور الأول لكيليان مبابي في مونديال الأندية    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    هنأت رؤساء موزمبيق وكرواتيا وسلوفينيا بالاستقلال واليوم والوطني لبلدانهم.. القيادة تهنئ أمير قطر بذكرى توليه مهام الحكم    تحسن أسعار النفط والذهب    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مرور العام    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عينٌ على سورية... عينٌ على الحرية
نشر في الحياة يوم 24 - 06 - 2011

تجتمع الغالبية العظمى من السوريين على عدم التفريط بوحدة اجتماعهم البشري وجغرافيتهم الطبيعية، واستقلالية القرار الوطني/ القومي لبلدهم، كما تجمع غالبيتهم اليوم على ضرورة إجراء إصلاحاتٍ عميقةٍ تغيّر من بنية نظام حرمهم لعقودٍ من الحرّية والكرامة والعدالة، ولو أنّ جزءاً كبيراً منهم تسيطر عليه اليوم المخاوف من عواقب هذا التغيير والمجهول الذي قد يدفع إليه!
ينقسم المجتمع السوري اليوم أفقياً وعمودياً في موقفه من حركة الاحتجاجات الواسعة ومشاركته بها أو انضمامه صراحةً إليها، وهي التي استحالت مع الزمن وضريبة الدم إلى انتفاضةٍ تقترب على نحوٍ حثيثٍ من المدينتين الكبيرتين اللتين نأتا نسبياً، حتى الآن، عن الحراك الاجتماعي الذي هزّ البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
لم تخرج الانتفاضة في كتلتها الرئيسة عن ثوابت شعب سورية. هي تصرّ صراحةً على سلمية تحرّكها وترفض بحزمٍ التدخّلات الخارجية وتنأى بنفسها عن أيّ توجّهٍ طائفيٍّ أو مذهبي أو إثني يدفع نحو اقتتالٍ أهلي أو تقسيمٍ للتراب الوطني، وتستنكر بوضوحٍ ما يترافق معه من تحريضٍ أياً كان مصدره. أمّا متغيّرها الوحيد، الذي اعتبر خروجاً على القانون، فجوهره المطالبة بالانتقال السلمي إلى دولةٍ تصون حقوق مواطنيها وتضمن لهم المساواة أمام القانون وتشرعن لهم حق المشاركة في صنع القرار.
في المقابل، لم تثبت نتائج اختبار خيار الحسم الأمني/ العسكري عجزه عن اقتلاع جذور الانتفاضة وتجفيف تربتها، وإخفاقه في محاولة إعادة إنتاج الرعب على المستوى الجمعي فحسب، بل إنّ خوف خسارة السلطة بكل ما يعنيه هو الذي استفحل وأضحى الذين انحازوا إلى هذا الخيار رهينة مصيدة خيارهم الذي استحال رمالاً متحرّكة... تفاقم يوماً إثر يوم مخاطر التدخّل الخارجي وقلقلة البنى الاجتماعية المتماسكة، وتكبّد الاقتصاد المنهك أصلاً مزيداً من الأعباء التي تعرض معاش الناس اليومي للتدهور.
كما أنّ ماكينة الإعلام التي تساوقت مع ذلك الخيار وحضّت عليه فشلت في تقديم روايةٍ معقولةٍ تغني عن تغييب وسائل إعلامٍ مستقلةٍ وحيادية، ولم تحقّق نجاحاً يذكر في تشويه سمعة المحتجّين والحط من شأنهم وتحريض الناس عليهم، لكنّها نجحت مع ذلك في إثارة قلقٍ عميقٍ من المستقبل في صفوف فئاتٍ وشرائح اجتماعيةٍ لا يستهان بها. على رغم هذا وذاك، اتسعت رقعة الانتفاضة واشتد عودها، ومع تصاعد أعداد المتظاهرين ومؤيديهم توالدت قياداتها الميدانية التي راحت تعبّر بوضوح عن توجهاتها، علاوةً على تصورها لحل الأزمة السياسية/الاجتماعية التي استحالت مأزقاً عصيّاً على الحل.
أمام هذا الزخم، وخارج الفئات التي ترتبط مصالحها الاقتصادية مباشرةً مع النخبة الحاكمة/المالكة القائمة، أو تلك التي تخشى الملاحقات القضائية التي قد تتسبّب بها عملية التغيير المنشود، تترقّب الكتلة الاجتماعية المترددة أو الحيادية أو المؤيدة للوضع القائم والتي يتناهشها القلق مما قد تؤول إليه عملية التغيير، وما قد يرافقها من تزعزع الأمان النسبي الذي تعيش وسطه، على رغم إحساسها الممضّ بالغبن، تترقب بحذرٍ الصراع القائم، منتظرةً تطوراته ونائسةً بين الخشية ممّا قد تجرّه عملية التغيير من عواقب على أمانها الاجتماعي/الاقتصادي والرعب من عواقب تواصل حملة تطويع بؤر الانتفاضة في مختلف المدن والأرياف، وبين الاحترام العميق لشجاعة أولئك الذين يواجهون الموت بصدورهم العارية من أجل أن يعبّدوا الدرب نحو مستقبلٍ أفضل لبلدهم وأطفاله.
ما من منطقٍ سويٍّ يعارض بين الحرّية والكرامة والعدالة من جانب، وإمكانية التخلي عن الثوابت الوطنية/القومية أو بعضها (التي لم تتزعزع من حيث الجوهر في أوساط غالبية المحتجين على رغم عدائية بعض المواقف الإقليمية والدولية من الانتفاضة ومطالبها المشروعة) وضمان حقوق مختلف التكوينات الثقافية أو الدينية أو الإثنية. إذاً، يمكن وفق المنطق السوي عينه جمع ثلاثية المتغير الجديد مع ثلاثية الثوابت الراسخة: وحدة سورية أرضاً وشعباً واستقلالية قرارها السياسي وموقفها الوطني القومي. فما يضمن دمج الثابت القديم بالمتغيّر الجديد إجماع الغالبية بمختلف مكوّناتها وانتماءاتها على ذلك كلّه.
هذه المرّة، لا يلعب الوقت لمصلحة الحلّ الأمني/العسكري، بل إنّه، فضلاً عن ذلك، يعرّض فرص الحلّ السياسي/السلمي الداخلي لمزيدٍ من التآكل ويزيد من مخاطر تدخّلٍ خارجي يكون استصدار قرارٍ من مجلس الأمن أولى خطواته، ويفاقم في الوقت نفسه الاحتقان الداخلي ومضاعفات مفاعيله المحتملة. ناهيك عن أنّ الضغوط الاقتصادية المتصاعدة قد تدفع الشرائح التجارية الوسطى والعليا لإعادة حساباتها، ما ينذر بتصدع التحالف معها والذي لن يبقي بدوره المدينتين الرئيستين خارج الحراك الاجتماعي، من المرجح وقتها أن تضع محاولة سحقه داخلهما البلادَ أمام كارثةٍ حقيقية.
يمكن مرحلة انتقالية أن تعبر بالجميع إلى دولةٍ تخضع فيها حتّى السلطة لسيادة القانون ويتساوى مواطنوها أمامه لأنّه الضامن الأساس والوحيد لحقوقهم جميعاً من دون استثناء.
تبرهن الانتفاضة في شهرها الرابع أن سورية تشق دروب التغيير بمشقةٍ ولكن بإصرار، وأن هذا التغيير يحدث وفق أجندة مصالح شعبها وليس وفق أجنداتٍ إقليميةٍ أو دولية. يمكن هذا المخاض العسير أن ينتهي بولادةٍ طبيعيةٍ من دون حاجةٍ الى تدخلٍ قيصري، يمكن السوريين أن يفعلوا ذلك بملء إرادتهم ومن دون إملاءاتٍ من الخارج وما يعتري مواقف شتى أطرافه من تبدّلات تمليها اتجاهات رياح المصالح.
ما من تغيّرٍ جوهريّ يحدث من دون ثمن، لكنّ التخلي عن موقف الانتظار سيحدّ من الكلفة وسيختزل الزمن اللازم للتغيير. يمكن سورية أن تبقى مستقلةً وموحدةً، لكنها ينبغي أن تكون حرّة كذلك، والأكثر أهميةً أن تعبر ذلك المسار بأقلّ الخسائر الممكنة. وعي ذلك يدفع كلّ من يريدها معافاةً وحرّةً معاً للمساهمة في مخاض ولادتها.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.