لو كان في لبنان إعلام يتطلع إلى ما وراء الحدود، لما انساق وراء ساسته ليمعن معهم في تشويه صورة هذا البلد في عيون الناظرين إليه قبلةً سياحية هذا الصيف. ولو كان في لبنان رجال دولة كثر، لما سمحوا لأمور تكاد تكون مهازل ان تحصل على الأرض، كذلك على شاشات التلفزة. ففي هذا البلد الذي يدّعي الحرية الإعلامية، يكاد يفتقد السواد الأعظم من الجمهور المحايد، إلى وجود إعلام حرّ رزين يشكّل فعلاً سلطة رابعة ويتصرف في ضوئها لناحية جدوى المواد التي يبثّها، وينظر في منافعها ومضارها وإلى أي مدى تساهم في رأب الصدع وتقوّم الاعوجاج وتنعش البلد اقتصادياً وسياحياً، فالناس المحايدون طبعاً، أصيبوا بكثير من القرف من حال بلدهم وإعلامه، وبلغوا قمة اليأس عندما شاهدوا قبل أيام على الشاشات، تلك الصورة والحوارات المنقولة من وزارة الاتصالات، لعشرات العناصر من قوى الأمن الداخلي، يقف نصفهم في مقابل نصفهم الآخر، مدججين بأسلحتهم، وبعضهم شاهر سلاحه في وجه بعضهم. أما السبب فلا ينطبق عليه إلا المثل القائل «عذر أقبح من ذنب». فالسبب والعذر والخلفيات وكل ما يمكن أن يساق في هذا السياق، لا يمكن أن تقنع المشاهد بأن أحداً من القائمين على أنفاس هذا البلد محق أو على حق بالمطلق، لأن الحق هنا نسبي، وكلٌّ يدّعي الحق ويقوم بتصرفه «المحق» أياً تكن نتائجه. وبمقدار ما يدّعي المسؤولون حرصهم على البلد وأمنه واستقراره، يتمنطقون ب «حقهم» ويذهبون بعيداً في تفتيت مؤسساته، التي يبدو أنها لم تعد مكاناً لائقاً لمعالجة المشكلات والمسائل العالقة بين الوزارات والأجهزة على تنوعها، بل يكاد المكانُ الوحيد لذلك يصبح، في عرفهم وممارستهم، تلك الشاشة الصغيرة. فكما يُستحضَر رجالُ الأمن، تُستحضر الكاميرا إلى المكان لتصوّر المشاهد «الجميلة» والحوارات وتعرضها مباشرة على أنها إدانة لفريق وانتصار لآخر. ويُفتح بعد ذلك باب واسع جداً للكلام والتصريحات والمؤتمرات الصحافية والفلاشات الإعلامية والتلفزيونية. أما النتيجة، التي لم ينظر إليها «الخائفون» على الناس و «القلقون» على مصير الوطن، فلم يفكروا فيها أبداً، وربما هي ليست في حساباتهم أصلاً، ألا وهي إبقاء الوضع في البلد هادئاً، إعلاماً وسياسة، خصوصاً أنه أمنياً لم يكن شهد بعدُ حادثَ تفجير اليونيفيل لاحقاً، للقول للسياح العرب والخليجيين الذين بدأوا يُعِدّون العدة لإجازة الصيف، إن لبنان المحتاج إلى سياحتكم أكثر البلدان العربية هدوءاً في هذه الفترة وهو يتطلع إليكم منتظراً حلولكم في ربوعه. لكن على عكس ذلك، لم يأتنا الحدث من مكان غير معلوم ولا بيد مجهول، إنما افتعله ساسة وأمنيون اصطحبوا معهم الكاميرا، ظانين أن الشاشات أقوى أداة للتجييش فحسب، في حين أنها أيضاً أمضى أداة ... للتهشيم.