كم تبدو الصور الآتية عن لبنان عبر محطة «سي أن أن» الأميركية جميلة ومختلفة كثيراً عن المشاهد التي اعتادت المحطة نقلها عن هذا البلد. فهذه المشاهد من المؤكد أنها قلبت رأساً على عقب الصورة النمطية المنطبعة في أذهان مشاهدي المحطة حول العالم، عن لبنان بأنه بلد الحروب والاقتتال لتقدمه في تقرير بثّ أخيراً، بلداً مملوءاً بالحياة والغناء والفرح. لم يغفل التقرير الذي أعدّه مراسل المحطة في بيروت كال بيري، صور ليل لبنان ولا نهاره، وكذلك لم يغفل نقل المشاهد الجميلة حيثما كانت ساحلاً وجبلاً وبقاعاً خلال هذا الصيف الذي انتظره لبنان طويلاً ليأتي إليه السيّاح والمصطافون، لبنانيين وعرباً وأجانب، والذين يتوقع أن يبلغ عددهم هذا العام مليونين. لم ينشغل معدّ التقرير بأخذ تصريحات من هذا أو ذاك إلا قليلاً، بل جعل الصور الحية تبلغ المُشاهدَ بما يجرى، مالئاً وقت التقرير وهو أقل من ثلاث دقائق، بأنغام الموسيقى وصخبها وتداخلها، غربية وشرقية وما مزج منهما وبينهما. أما تدخل المراسل بصوته وصورته فكان قليلاً وبليغاً، إذ إنه في أغلب الأحيان اكتفى بأن بث معلومات عن لبنان وخسارته المواسم السياحية الماضية بسبب «العنف»، مؤكداً أنه خلال العام الجاري ينتظر مجيء مليوني سائح. مبرهناً كيف أن لبنان لم يعد وجهة سياحية اقليمية بل أصبح وجهة عالمية. أما صورة المراسل فتظهر في لقطة واحدة بدا فيها عالي النبرة ليتمكن صوته من التفوق على الصخب في خلفية اللقطة، ويقول: كانت بيروت معروفة بأنها مكان للنزاعات، أما الآن فأصبحت هكذا... مومئاً بيده إلى السائحين الساهرين الفرحين في بيروت أمام الكاميرا وبعيداً منها. حبذا لو شاهد الساسة اللبنانيون التقرير وأدركوا كيف يستطيع الشعب الذي يقبعون على أنفاسه، أن يجعل من الفرح حدثاً يغري محطة كقناة «سي أن أن» التي لا تبث تقارير من دول صغيرة إلا إذا كان ما يجرى فيها حدثاً يستأهل ثلاث دقائق من وقت بثها، وحبذا لو أوعز الساسة أنفسهم إلى محطات التلفزة الخاضعة لسلطانهم بإعداد تقارير مشابهة في شكل يومي تخصص لها ثلاث دقائق في نشرات الأخبار وبخاصة الفضائية، ليؤدوا خدمة لبلدهم وشعبهم، من خلال الإعلام نفسه الذي كانت المشاهد المبثوثة من خلاله مساهماً أساسياً في السنوات الماضية، في تغييب مثل هذه الصور الراهنة عن بيروت وسواها من المناطق... هلا يكفّر الساسة عن مواقفهم وما جرّته على البلد في السنوات الماضية، بتوظيف بعض من أوقات الإعلام الخاضع لسلطتهم، في تعزيز صورة لبنان قبلة للسياحة العربية والعالمية؟