مع اقتراب انتهاء المعارك ضد تنظيم «داعش» في سورية، يخشى الأكراد، حلفاء واشنطن الأبرز في حربها ضد الإرهابيين، أن تدير الولاياتالمتحدة ظهرها عنهم وتتركهم وحيدين أمام تهديدات عدّة، على رأسها تركيا. وبعد سياسة تهميش اتبعتها الحكومات السورية ضدهم طيلة عقود، تصاعد نفوذ الأكراد في سورية بدءاً من عام 2012، وعملوا على تمكين «إدارتهم الذاتية» في مناطق سيطرتهم، حيث أعلنوا نظاماً فيدرالياً وبنوا المؤسسات على أنواعها وأجروا انتخابات لمجالسهم المحلية. وشكلت «وحدات حماية الشعب» الكردية رأس حربة المعارك ضد تنظيم «داعش» لسنوات، ورأت فيها الولاياتالمتحدة القوى الأكثر فاعلية لمواجهة التنظيم الإرهابي، إذ إنها نجحت في طرده من مناطق واسعة، أبرزها مدينة الرقة، معقله في سورية سابقاً. وإضافة إلى الغطاء الجوي والدعم بالسلاح، تنشر الولاياتالمتحدة حالياً حوالى ألفي جندي يدعمون الأكراد في سورية، لكن مع تقلّص مناطق سيطرة «داعش» إلى مساحة لا تزيد نسبتها عن5 في المئة من مساحة الأراضي السورية، أعلنت واشنطن إجراء تعديلات على دعمها الأكراد، وسحبت 500 من قوات مشاة البحرية إلى بلادهم، في موازاة تأكيدها احتفاظها بوجود عسكري «طالما كان ذلك ضرورياً». وشددت الناطقة باسم «وحدات حماية المرأة» الكردية نسرين عبدالله، على أهمية بقاء قوات التحالف الدولي «لضمان الأمن والاستقرار»، مشيرة إلى «تهديدات عدة يواجهها الأكراد، بينها من تبقى من الإرهابيين والموقف التركي». وقالت إن «تهديد داعش لا يزال موجوداً». وزادت: «قد يكون تهديد التنظيم الإرهابي تلاشى، لكن هناك خلايا نائمة وهجمات بين الحين والآخر». وأشارت إلى أن «تركيا تهدد الشعب الكردي حتى بالفناء»، محملة «قوات التحالف والقوات الروسية مسؤولية أي عمل تقوم به تركيا». وشكّل الدور المتصاعد للأكراد قلق كلّ من أنقرة، التي تخشى حكماً ذاتياً على حدودها يثير مشاعر مواطنيها الأكراد، وكذلك دمشق التي لطالما أكدت عزمها على استعادة أراضي البلاد كاملة. وتصنّف أنقرة «الوحدات» الكردية مجموعة «إرهابية»، وشنت في صيف 2016 هجوماً برياً على مناطق تنظيم «داعش» والمقاتلين الأكراد على حد سواء. واعتبر الباحث في «المعهد الأميركي للأمن» نيك هاريس، أن «تركيا تشكّل التهديد الأكبر على أكراد سورية»، مشيراً إلى أن «ليس هناك أي طرف آخر في الحرب الأهلية، لا الأسد ولا تنظيم داعش، مُصرّ على ضرب أكراد سورية أكثر من (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان وجيشه». وأشار إلى أن «أردوغان كان واضحاً جداً بقوله فور مغادرة الأميركيين إنه ينوي أن يقضي على أكراد سورية الذين ينظر إليهم نظرته إلى عناصر حزب العمال الكردستاني» الذي يخوض تمرداً ضد أنقرة منذ عقود. وتقارب الأكراد في الفترة الأخيرة مع روسيا، حليفة دمشق. وأعلنت «الوحدات» الكردية قبل أيام أنها تلقت دعماً عسكرياً من القوات الروسية والتحالف الدولي، في معاركها ضد «داعش» في دير الزور. كما يتلقّى الأكراد في عفرين (محافظة حلب)، أحد «الأقاليم» الكردية الثلاثة وحيث لا وجود لتنظيم «داعش»، دعماً من روسيا التي دربت مقاتلين منهم. ورأى الباحث الأميركي أن «العلاقة بين وحدات حماية الشعب الكردية والجيش الروسي تتجه إلى أن تكون أكثر خصوصية»، ملمحاً إلى عفرين التي «تعتمد فقط على الجيش الروسي وليس الأميركيين للحماية ضد هجوم تركي». ولاحظ هاريس في تقرب الأكراد من روسيا «سياسة لتأمين أنفسهم في حال تخلت الولاياتالمتحدة عنهم لمصلحة تركيا».