يترقب المتنافسون على المقاعد المسيحية وغير المسيحية الستة في بعبدا مدى قدرة الحلفاء غير المسيحيين على إحداث الفرق لمصلحتهم من أجل إنجاح اللائحة أو من أجل إحداث اختراق للائحة الأخرى، بينما يبدو الأمر مختلفاً في المتن الشمالي الذي تلعب المعركة فيه دوراً رئيساً في ترجيح الأكثرية لقوى 14 آذار أو لقوى 8 آذار و «التيار الوطني الحر»، إذ ان الأولى تعتمد على الفرق الذي سيحدثه انضمام القوة الانتخابية للنائب ميشال المر إليها بعد أن كان الى جانب النائب ميشال عون في العام 2005 وفي الانتخابات الفرعية عام 2007. أما «التيار الوطني» فراهن على حجم الأصوات الأرمنية التي سيصبها حليفه حزب الطاشناق في ساحل المتن الشمالي لمصلحته من أجل إحداث فرق شاسع مقابل لائحة المر - 14 آذار. إلا أن هذين الاستنتاجين يدلان الى أن ثمة تغييراً حاصلاً في توجهات الناخب المسيحي في الدائرتين الكبريين، عما كانت عليه من أرجحية واضحة تراوحت بين 65 و70 في المئة لمصلحة العماد عون في العام 2005 على الصعيد المسيحي. إلا أن لا أحد يملك الجواب الفعلي حول مدى هذا الإعراض عن تأييد لوائح الجنرال، ويحيل الجميع السائل في نهاية الحديث، الى صندوقة الاقتراع. ففي الدائرتين ينتهي التدقيق بالتوقعات، عند الواقعيين من محدثيك لدى الفريقين الى ترجيح كسب 50 في المئة من أصوات المسيحيين. وهي نسبة تقديرية بسبب ارتفاعها في قرى وبلدات وانخفاضها في أخرى. وهو ما دفع زوجة أحد المرشحين الى تقديم صورة كاريكاتورية تقول: «تبدأ المنافسة على طريقة «ستار أكاديمي»، حيث يفوز الفائز بموهبة الغناء، وتنتهي على طريقة «مدرسة المعجبين» (L,ecole des fans) المخصصة للأطفال حيث يفوز الجميع بانتهاء المباراة... في بلدات المتن الأعلى حيث الناخبون المسيحيون ساحلاً وجبلاً 83 الفاً والشيعة (في الساحل) 33 ألفاً والدروز 26 ألفاً والسنة 8770، أطلقت المنافسة عمليات الاقتراع منذ لحظة فتح صناديق الاقتراع السابعة صباحاً حيث بدأ الإقبال كثيفاً وما لبثت مراكز الاقتراع في البلدات الكبرى والمتوسطة مثل حمانا وفالوغا وقرنايل والشبانية وقبيع... أن شهدت بعد التاسعة ازدحاماً شديداً تطلب من بعض الناس انتظار دورهم في الطابور أكثر من ساعة. وتحوّل الأمر، مثلما حصل في سائر المناطق اللبنانية الى مصدر شكوى، بسبب البطء الذي فرضه إجراء تغطيس الإبهام اليسرى بالحبر «لتمريك» الناخب كي لا يقترع مرتين. وتعذر هذه المرة على مندوبي القوى السياسية الضغط على أقلام الاقتراع إذ ان وحدات الجيش طبّقت بدقة إجراء ابتعاد أعضاء ماكينات اللوائح والأحزاب 50 متراً من كل جهة منها، ما حال دون محاولة التأثير على الناخب وترهيبه و«مراقبته» عند المدخل... ويقول مناصرو «14 آذار» والمستقلين أن ثلاثة عوامل حصلت في الأيام الأخيرة عدلت بعض الشيء مزاج الناخب المسيحي في القرى الجبلية، أولها زيارة رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط لبعض المرشحين المنسحبين من الدروز والمسيحيين لشكرهم، وثانيها انسحاب مرشحين في جبيل لمصلحة تعاون «14 آذار - المستقلين» في دائرة جبيل الذي انعكس على دوائر أخرى، وثالثها كلام البطريرك الماروني نصرالله صفير عن أن الكيان اللبناني في خطر وهويته العربية مهددة، بحيث انجذب بعض المترددين الى لوائح «المستقلين - 14 آذار». لكن المستقلين يلومون أحزاب 14 آذار لإهمالها التحرك في اتجاه هذه الشريحة من المسيحيين بعد بروز هذه العوامل الثلاثة، فيما الماكينة الانتخابية للعونيين حاضرة وموجودة أكثر، وهو أمر ظاهر في الشارع حيث يتواجد لابسو القمصان والقبعات البرتقالية بكثرة، لكن معظمهم من صغار السن. ويقول مناصرو 14 آذار أن عون استفاد من انتقاد البطريرك صفير لمسيحيي 14 آذار في العام 2005 لتحقيق ما سمي في حينها «تسونامي» انتخابي، ويفترض ب «14 آذار» أن تستفيد أكثر من تصريحه أول من أمس، لمصلحتها. لكن احتدام المعركة في كل الأحوال رفع نسبة الاقتراع الى درجة غير مسبوقة منذ الصباح. في الوسط الدرزي راهن الحزب التقدمي الاشتراكي على الإفادة من أن المرشح المنافس لمرشحه أيمن شقير، وهو فادي الأعور، ليس من فخذ ورثة زعامة عائلة الأعور الكبيرة وعلى أنه مرشح «حزب الله» وبالتالي على تحوّل جزء من أصوات العائلة الى شقير، أو الى الامتناع عن التصويت، بفعل أحداث 7 أيار. فيما راهنت الأكثرية الحالية على إفادة النائب باسم السبع من بعض مؤيدي مرشحي عون المسيحيين من دون مرشحي «حزب الله». في الطريق من المتن الأعلى الى المتن الشمالي تكثر رايات الفريقين بالتدرج: الاشتراكي، القوات والكتائب والبرتقالي الذي بدت كلها جديدة. واللافت وجود رايات من اللون الفستقي في هذه المناطق وهي لتيار «المردة» الذي يتزعمه سليمان فرنجية في شمال لبنان. بدت شوارع بلدات المتن الشمالي (8 نواب مسيحيين فاز منهم الأرمني هاغوب بقرادونيان من حزب الطاشناق بالتزكية) مملوءة بالحركة من الجهتين، لائحة الانقاذ المتنية التي تضم الى المر، سامي أمين الجميل، سركيس سركيس، إدي أبي اللمع، إميل كنعان، إلياس كرامة وإلياس مخيبر. ولائحة التغيير أي «التيار الوطني الحر» وتضم إبراهيم كنعان، نبيل نقولا، إدغار معلوف، سليم سلهب، غسان مخيبر، غسان الأشقر وغسان الرحباني. هذا إضافة الى مرشحين مستقلين أبرزهم فؤاد أبي ناضر وإبراهيم أبي حيدر. شكت الماكينات من الزحمة على أقلام الاقتراع في بعبدات وبرمانا بسبب تقليص عدد مراكز الاقتراع كي تتمكن القوى الأمنية من ضبط الوضع الأمني وتتمكن وزارة الداخلية من تفريغ موظفين للأقلام. وفي ضهور الشوير امتلأت ساحة البلدة بأعلام العونيين والحزب السوري القومي الاجتماعي وازدحم الناخبون عند مبنى البلدية بينما ظهرت سيارة تحمل أعلاماً ل «حزب الله» وسط انتشار كثيف للجيش الذي صادر دراجة نارية تطبيقاً لقرار منع الدراجات النارية من السير يوم الاقتراع. أما رايات «القوات» والكتائب فظهرت في بعض شوارع البلدة وليس في الساحة... عكس بكفيا معقل آل الجميل التي امتلأت شوارعها بصور سامي الجميل والشهيد بيار الجميل وسط زحمة سير خانقة. واعتمدت «القوات اللبنانية» خطة للنزول الى أقلام الاقتراع على دفعات بدءاً من قبل الظهر خلافاً لخصومها الذين نزلوا باكراً في الصباح. وفي قلم الاقتراع في إحدى المدارس قال المرشح سامي الجميل: «نريد من الناخبين ألا ييأسوا من الانتظار على مداخل مراكز الاقتراع بسبب الزحمة فإذا تعبنا اليوم سنرتاح 4 سنوات ونحن سجلنا ملاحظات كثيرة (على التباطؤ في إدخال المقترعين). ودعا الى التنبه من اللوائح الملغومة لأن ثمة من وزع لوائح ل 14 آذار - المستقلين لعبت على تشابه الأسماء، فتضمنت إبراهيم كنعان بدلاً من إميل كنعان وغسان مخيبر بدلاً من إلياس مخيبر، وسامي بيار الجميل بدلاً من سامي أمين الجميل». واعتبر أن عدد المترددين من المقترعين انخفض. وتفاءل بنتائج الانتخابات لأن الغطاء المسيحي ل «حزب الله» سيتراجع. وبعد أن أدلى النائب المر بصوته في بتغرين نوه بجهد وزير الداخلية لتنظيم اليوم الانتخابي لافتاً الى وجود عجقة غريبة. لكنه رفض أن «يتذمر ويصرخ كما فعلت المعارضة»، داعياً المتنيين الى تهدئة أعصابهم. واستغرب عدم تعميم تصريح البطريرك صفير «للمرة الأولى في التاريخ، اذ كيف يحق لكل الناس التكلم باستثنائه هل فزّعهم لهذه الدرجة؟». ودعا التلفزيون لنقل ما قاله ليسمع أهل المتن كلامه لأنه إنقاذي للبلد. وقال إنه صوّت للبطريرك. وفيما رأى مراقبون حياديون أن لائحة المر - الجميل تحتاج الى التفوق على اللائحة العونية بأكثر من 4500 صوت كي تعوض عن الأصوات التي سيمنحها الأرمن للائحة التغيير والإصلاح ويتمكن بعض أعضائها من خرق هذه اللائحة رأى النائب نبيل نقولا من «التيار الوطني» أن لائحته تفوق اللائحة المنافسة في معظم المناطق الرئيسة في بلدات الجرد والوسط وأنه جال على مناطق تركت انطباعاً لديه بأن هناك أجواء تغييرية لدى الناخبين تتراوح بين 52 في المئة و65 في المئة. وقال إن لائحة الخصوم تعوّض في مناطق مثل البوشرية وسد البوشرية، بسبب الفقر، يتعرض الناس الى ضغوط وكذلك في بعض قرى الجرد والوسط، لكن معظم البلدات في تلك المناطق محسومة لمصلحة التيار مثل بسكنتا وعينطورة وضهور الشوير. وفي تقدير نقولا أن الأصوات الأرمنية للمر ستكون ضئيلة نظراً الى المواقف التي اتخذت ضد الأرمن، مع أنه يحتمل أن يؤدي هذا التصويت الى خرق المر للائحة التيار. لكنه استبعد، أن يتمكن سامي الجميل وسركيس سركيس، من خرق اللائحة أيضاً كما يقال لأن التصويت الأرمني الذي قد يصل الى 9 آلاف صوت لمصلحة «التيار» فضلاً عن 2500 صوت شيعي زائد أصوات القوميين المرجح أن تصل الى 6 آلاف سيحرمهما من هذا الاحتمال. وارتفاع نسبة التصويت الأرمني سيأتي عالياً، بحسب نقولا، مثل ارتفاع نسبة التصويت العامة التي كانت بلغت الثانية بعد الظهر أكثر من 35 في المئة.
