روبيو ل لافروف: يجب وضع حد لإراقة الدماء واتخاذ خطوات لإنهاء الحرب    طرح تذاكر دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض    إبراهيموفيتش يحتفظ بجوائزه الفردية في قبو متواضع للغاية    لاعب سابق بالدوري الأمريكي ينصح اللاعبين بعدم الانضمام لإنتر ميامي    لوحات تشكيليين تزين اليوم الوطني    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    القادسية يكسب العروبة ويتأهل إلى دور ال16 من كأس الملك    وزير الخارجية: السعودية ستواصل جهودها بلا كلل من أجل دولة فلسطينية مستقلة    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    السمنة والقلب على رأس التدخلات الجراحية في المملكة    أبرز أسباب الشعور بالكسل    الرئيس الإيراني: إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية    فنانون يحتفلون باليوم الوطني السعودي في "فنون جدة"    المرأة السعودية تشارك في العروض العسكرية بفعالية «عز الوطن»    رؤية وطننا تقودنا لمستقبل واعد    الجبير يلتقي وزير خارجية بنما    غرفة بيشة تحتفل باليوم الوطني ال95    أمير الرياض يعزّي في وفاة سماحة مفتي عام المملكة    فيصل بن مشعل يشرف مسيرة اليوم الوطني واحتفال أهالي القصيم    "اليوم الوطني" نافذة تسويقية للمنجزات    أهالي الدوادمي يحتفون باليوم الوطني    ماذا يعني فتح سوق الأسهم لزيادة ملكية الأجانب؟    اختتمت أمانة منطقة تبوك احتفالاتها باليوم الوطني ال95 والتي أقيمت على مدى يومين متواصلين تحت شعار "عزّنا بطبعنا"    مستشفى سليمان الحبيب بالتخصصي يعيد زراعة أصبع مبتور بنسبة «100» بعملية دقيقة    أمير جازان ونائبه يشاركان منسوبي الإمارة الاحتفاء باليوم الوطني للمملكة ال95    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي والفائزين بجوائز محلية ودولية    القبض على (6) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (90) كجم "قات"    اليوم الوطني المجيد 95    وزير الصناعة يبحث مع نظيره الصيني تعزيز التعاون في الصناعات المتقدمة    البعثة الروسية لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفي باليوم الوطني السعودي ال95    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال65 لإغاثة قطاع غزة    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    هيئة جائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة تعقد اجتماعها الأول للدورة الرابعة    وزير الخارجية يشارك في اجتماع بشأن مستقبل غزة في نيويورك    إنطلاق فعاليات الاحتفاء باليوم الوطني ال95 بمدارس تعليم جازان    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    (الهفتاء ) يتلقى تكريمًا واسعًا من إعلاميي السعودية والعالم العربي    القيادة تهنئ رئيس جمهورية غينيا بيساو بذكرى استقلال بلاده    «ناسا» تكشف عن فريقها ال24 من روّاد الفضاء 23 سبتمبر 2025    مسيرة للقطاعات الأمنية تجوب شوارع تبوك احتفاءً باليوم الوطني ال 95    الأمير سعود بن مشعل يشهد الحفل الذي أقامته إمارة المنطقة بمناسبة اليوم الوطني 95    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    وزير النقل يعلن تبرع خادم الحرمين بمليون دولار دعما لمنظمة الطيران المدني الدولي    الصحة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية.. مستشفيات غزة على وشك التوقف    التقي القيادات في منطقة نجران.. وزير الداخلية: الأمنيون والعسكريون يتفانون في صون استقرار الوطن    قصص شعرية    أحلام تتألق في الشرقية بليلة غنائية وطنية    «وِرث» يعزز الهوية الثقافية السعودية للمسافرين    الملك سلمان: نحمد الله على ما تحقق من إنجازات في بلادنا الغالية    شراكة إستراتيجية بين مركز الملك سلمان و«إنقاذ الطفولة»    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    الاتحاد يتأهل لثمن نهائي الكأس على حساب الوحدة    محافظة طريب تحتفل باليوم الوطني ال95    الدفاع المدني يشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    البنوك السعودية تقود نموا قياسيا بالمصارف الخليجية    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشخصنة في الثورات العربية
نشر في الحياة يوم 30 - 03 - 2011

انطلاقاً من تونس حلّق في السموات العربية الشعار الأيقونة: الشعب يريد إسقاط النظام، بكل ما يعنيه من تفكيك لمؤسسات النظام السياسي الاستبدادي القائم وبناء نظام جديد وفق إرادة الشعب. لكن يبدو أن واقع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن بعيد من أحلام الشعار وأهدافه، فما تحقق - حتى الآن - يكشف عن درجة عالية من الشخصنة في مسار الثورات العربية وأهدافها وإنجازاتها.
انطلقت ثورات العرب الأربع بعفوية ومن دون توقع، ما عدا كلاماً مرسلاً - كان أقرب إلى الأمنيات - ومتكرراً منذ سنوات طويلة عن قرب تفجر الثورة. وكما نعرف جميعاً لم تمتلك هذه الثورات أطراً تنظيمية أو برنامجاً سياسياً محدداً يبشر بملامح النظام البديل، كما افتقرت لوجود زعامات سياسية أو حياة سياسية وحزبية نشطة وفاعلة. ولعب الشباب دوراً بالغ الأهمية اعتماداً على وسائل الاتصال الحديثة والشبكات الاجتماعية الافتراضية. وبطبيعة الحال، لا تنطبق هذه السمات بالدرجة نفسها على ثورات الدول الأربع، لكنها تظل القواسم المشتركة المميزة للثورات العربية.
وأعتقد أن هذه السمات فرضت على قوى الثورة، على ما بينها من اختلافات سياسية وأيديولوجية، ضرورة الاتفاق على شعارات وأهداف عامة، وليس على برامج سياسية. فالانفجار الفجائي لتلك الثورات والمواجهات الدامية مع أربعة نظم مستبدة وأمنية، تشترك في وجود رئيس يحكم وأسرته منذ عقود، دفعت قوى الثورة إلى التركيز على إسقاط الرئيس، كهدف مشترك يجمع ولا يفرّق، على رغم أن شعارها المعلن كان إسقاط النظام. وربما كان إسقاط النظام في الشعار الأيقونة يعني فقط إسقاط الرئيس، أو على الأقل هكذا فهمت الجماهير المليونية البسيطة في شوارع تونس ومصر واليمن، أما في ليبيا التي تميزت ثورتها بمستويات عالية من العنف والتدخل الأجنبي، فأكاد أجزم بأن إسقاط القذافي وأولاده، والثأر منه، أصبح الهدف الأول لغالبية الثوار.
شخصنة أهداف الثورات العربية هو الوجه الآخر لشخصنة الأنظمة العربية، فقد أدى استمرار الحاكم الفرد المستبد لعقود طويلة إلى تآكل قيم ومعاني الدستور والقانون، وطغيان رغبات الرئيس وأولاده وحلفائه في الحكم، وانعكس ذلك سلباً على مؤسسات الدولة وآليات عملها فأصبحت امتداداً لرغبات الرئيس ونزواته ومصالحه. هكذا يتشخصن القانون والدولة، ويتشخصن الفساد والاستبداد والقهر. فالرئيس وأسرته وعدد من مساعديه وحلفائه في الحكم يجسّدون في إدراك الجماهير الفساد وسوء السلوك بل وقهر المواطنين وتعذيبهم. في هذا السياق نتجت عن شخصنة الدولة ومحاولات التوريث في تونس ومصر وليبيا واليمن، شخصنة أهداف ومسار الثورة، فالهدف الأول في تونس كان رحيل بن علي خارج السلطة وخارج البلاد، وانتقل الهدف ذاته إلى مصر واليمن وليبيا.
وتحقق نصف الهدف في مصر، فقد غادر مبارك وأسرته السلطة وبقوا في البلاد. بينما ما زال الرئيس اليمني يناور، والقذافي وأولاده يقاتلون حتى لا يرحلوا. وعند تأمل سياق الأحداث في الثورات الأربع فيما يخص رحيل الرئيس يلاحظ أولاً تمسك الثوار بقوة بهدف الرحيل عن السلطة ورفض أية محاولات للتأجيل أو التسويف، أو استكمال فترة الرئاسة. ثانياً: تطور مطلب رحيل الرئيس إلى محاكمته وأسرته والحلقة الضيقة التي كانت تحيط به. ثالثاً: امتد مطلب الرحيل إلى رحيل الرموز والشخصيات السياسية المرتبطة بشخص الرئيس ونظام حكمه، فالثورة التونسية خاضت معارك ما بعد رحيل بن علي حتى تسقط محمد الغنوشي رئيس وزراء بن علي، والثورة المصرية أسقطت عمر سليمان نائب الرئيس ثم أسقطت حكومتين للفريق أحمد شفيق.
وفي كل معارك الثوار من أجل رحيل أو إسقاط الرئيس ووزرائه ورموز حكمه تبرز بقوة أبعاد شخصية، ترتبط بقيم الثأر من الخصم، وتصفية الحسابات القديمة، وهي من دون شك أحد مكونات الثقافة العربية، لكنها تغذي في المقابل مقاومة مستميتة من جانب رجال النظام القديم في مصر وتونس واليمن وليبيا. والمأساة أن استماتة نظام القذافي وأولاده جاءت على حساب الشعب الليبي ومقدراته، فيما مناورات صالح وأولاده تسرع بإشعال حرب أهلية في اليمن. من هنا لا بد من تجاوز مسألة الثأر وآلياتها التقليدية، سواء في الثقافة العربية أو في بعض ثورات العالم باتجاه محاسبة قانونية وأمام القاضي الطبيعي لكل المفسدين والطغاة. وأنا على يقين بأن القوانين المحلية والدولية تؤمن تلك المحاسبة والمطاردة القانونية للأموال المنهوبة والمهربة في دول العالم.
وبصرف النظر عن الأسباب المفهومة للشخصنة في الثورات العربية إلا أنها أضرت كثيراً بمسار الثورة وأهدافها وعلاقات التحالف والائتلاف بين قوى الثورة في كل من تونس ومصر. ففي حالة مصر انشغلت قوى الثورة بمعركة إقالة مبارك، ثم رفض تعيين عمر سليمان نائباً للرئيس. بعدها شعرت قوى الثورة بالانتصار واحتفلت به، على رغم أنها لم تحقق الأهداف التي أعلنتها وتوافقت عليها وفي مقدمها إقالة مبارك ومحاكمته، وتشكيل مجلس رئاسي مدني يضم ممثلاً عن القوات المسلحة، ويتولى المجلس مهام مرحلة انتقالية لإصدار دستور جديد، يضمن الطابع المدني والديموقراطي للدولة. وبعد «جمعة الانتصار» تركز المجهود الرئيس للثورة على إقالة حكومة أحمد شفيق واتخذت المعركة طابعاً شخصياً ربما عكسته النكات والمواجهات الكلامية بين شفيق وخصومه في وسائل الإعلام. وشغلت معركة شفيق الجميع عن انفراد المجلس العسكري بإصدار ما يشبه الإعلان الدستوري عن نيته البقاء في الحكم لستة أشهر يجرى خلالها الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور وإجراء انتخابات لمجلسي الشعب والشورى والرئاسة خلال ستة أشهر.
ومع الشعور بالانتصار في معركة شفيق التي لا تخلو من أبعاد شخصية وثأرية تقرر تعليق التظاهرات المليونية، لكن قوى الثورة فوجئت بأنها أمام استحقاق تعديل الدستور والاستفتاء عليه، وأفرز هذا الاستحقاق حالة من الاستقطاب السياسي والطائفي، والتوظيف السياسي للدين. وفجرت تلك الحالة أول خلاف عميق في ائتلاف قوى الثورة بين «الإخوان» والتيارات الإسلامية من ناحية، وبين كثير من شباب الثورة وأحزاب وقوى المعارضة التقليدية والحديثة من ناحية أخرى، ما سمح للمجلس العسكري، وريث نظام مبارك، تأكيد انفراده باتخاذ القرار، والصدام المحدود بالثورة، حيث فضت الشرطة العسكرية ثلاثة اعتصامات في «ميدان التحرير» وأمام مبنى التلفزيون وكلية الإعلام، التابعة لجامعة القاهرة. وصدر قانون بقرار يفرض قيوداً قاسية على حرية الإضراب والاعتصام. في الوقت نفسه لم يقدّم رموز نظام مبارك للمحاكمة، ولم تصدر قرارات بتغيير المحافظين ورؤساء الجامعات والعمداء وقيادات الإعلام.
والشاهد أن قانون حرية تشكيل الأحزاب الذي صدر أخيراً والإعلان الدستوري في ضوء نتائج الاستفتاء الذي سيصدر لاحقاً، وما يثار حولهما من مناقشات، قد تزيد من الفجوة بين الحكم وائتلاف قوى الثورة. كما قد ترفع من وتيرة الاختلافات والتباعد بين بعض قوى الثورة، بخاصة جماعة «الإخوان» والتيار السلفي، وبين كثير من شباب الثورة والأحزاب والقوى السياسية المعارضة. ما يعني في التحليل الأخير سهولة الاتفاق بين ثوار مصر على قضايا شخصية ذات أبعاد سياسية كرحيل مبارك وشفيق، وصعوبة اتفاقهم أو تعايشهم مع قضايا سياسية وبرنامجية تتعلق بمستقبل النظام السياسي بعد مبارك.
إذاً، الشخصنة حاضرة في ثورات العرب حتى أنها تعيش ولكن بطريقة مغايرة في معسكر الثوار، بمعنى أن فائض الشخصنة في الأنظمة العربية خلق في المقابل غياباً للشخصنة لدى قوى الثورة، فثمة رفض لتسليم القيادة لشخص بعينه أو حتى مجموعة من الأشخاص، بخاصة في ظل ضعف أحزاب المعارضة وتراجع صدقية زعمائها. من جانب آخر فإن تنافس مجموعات الشباب والأحزاب والقوى التقليدية في مصر وتونس واليمن أفشل – لأسباب لا يتسع لها المجال - محاولات الاتفاق على قيادة موحدة للثورة في كل دولة، ربما باستثناء ليبيا التي تعيش تجربتها الخاصة. وفي ظني أن غياب القيادة الجماعية، ولا أقول الزعامة الكاريزمية، عن الثورات العربية أضر بها، ومن الضروري التوافق على قيادة جماعية مقنعة وقادرة على التقدم بالثورة إلى الأمام. فنحن لسنا في حاجة إلى حالات جديدة من التشخصن، وإنما في حاجة ماسة إلى قيادة جماعية خلال المرحلة الانتقالية وحوار مجتمعي فاعل يقود إلى نظم ديموقراطية تحقق العدالة والتنمية، وعندها تكون الثورات العربية نجحت، ونجت من أن تظل مجرد انقلابات تطيح بشخص الرئيس وتبقي على النظام.
* كاتب وأكاديمي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.