يتأنى الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي في خطوات تشكيلها، وهو يستعد لجولة جديدة من المفاوضات مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون العائد من سورية، بعدما شارك في القداس الذي أقيم في بلدة براد لمناسبة عيد مار مارون وأجرى محادثات مع عدد من كبار المسؤولين السوريين تناولت الاتصالات لتسريع ولادة الحكومة العتيدة، إضافة الى تواصله مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي عاد ليل أول من أمس من قطر، مبدياً ارتياحه الى التسهيلات التي يقدمها الأخير لتذليل العقبات التي ما زالت تؤخر عملية التأليف. لكن ميقاتي يتجنب تحديد موعد سريع لولادة الحكومة ويعتبر أن إمكان تأليفها قبل نهاية الأسبوع الجاري ما زال قائماً في حال سلكت المفاوضات في جولتها الحاسمة طريقها الآمن، وإلا فإنها سترى النور حتماً بعد الثلثاء المقبل الذي يصادف ذكرى المولد النبوي الشريف. وقال ميقاتي ل «الحياة» إن «ولادة الحكومة ليست سريعة في غضون 24 أو 48 ساعة، وكنا تواصلنا مع العماد عون واتفقنا على متابعة اللقاءات فور عودته من براد»، مؤكداً أن الاتصالات لم تنضج لإعلان الحكومة، لكن لا شيء مستبعدا قبل نهاية الأسبوع وإلا فإلى الأسبوع المقبل أي بعد 14 شباط (فبراير) ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري و15 الجاري الذي يصادف ذكرى المولد النبوي الشريف. ولفت ميقاتي الى أنه ينطلق في مشاوراته مع الكتل النيابية لتشكيل الحكومة من قاعدة أن لا يزيد عدد الوزراء على 24 وزيراً، لكنه لا يمانع رفع العدد الى 30 وزيراً شرط أن يكون في التركيبة حضور بارز للكفاءات والوجوه الجيدة. وأكد أنه لا يفضل التعاون مع وجوه استفزازية أو مستهلكة، وقال: «إذا كانت هناك مصلحة عامة في زيادة العدد فأنا لا أمانع شرط أن تأتي التركيبة بناءة ومنسجمة». وبالنسبة الى مشاركته في الاجتماع الموسع الذي يعقد اليوم في دار الفتوى بدعوة من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني قال إنه بقي على تواصل طوال يوم أمس مع المفتي قباني من أجل التوصل الى قواسم مشتركة. واضاف إنه يأمل بالتوصل الى هذه القواسم ليتسنى له حضور الاجتماع، وإلا يفضل عدم المشاركة في حال شعر أن هناك هوة «لأن ما أطمح إليه هو ردم هذه الهوة بدلاً من تعميق الاختلاف». وأعلن مساء أن الرئيس السوري بشار الأسد استقبل النائب عون، وذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) «الأوضاع في لبنان وجهود تشكيل الحكومة اللبنانية وآخر التطورات على الساحتين العربية والإقليمية. وعبر النائب عون عن تقديره مواقف سورية الداعمة للبنان وحرصها على كل ما من شأنه تعزيز وحدته واستقراره». وذكّرت الوكالة بلقاء بين الرئيس الأسد والنائب عون في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي «حيث بحثا التطور المتنامي في العلاقات بين سورية ولبنان وضرورة الدفع قدماً بالتعاون بين البلدين في جميع المجالات»، كما ذكّرت الوكالة بلقاء الرئيس الأسد «خلال الأشهر الماضية مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، وأكد خلال لقائه مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أهمية إيجاد حلول ناجعة لكل المشكلات اللبنانية». ولن تصرف المواكبة السياسية للمشاورات الجارية في شأن تشكيل الحكومة، خصوصاً في جولتها الحاسمة بين ميقاتي وعون الأنظار عن الاهتمام بالاجتماع الموسع الذي يعقد اليوم في دار الفتوى الذي يشارك فيه، إضافة الى المفتي قباني رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة والنواب السنّة ومجلس المفتين وأعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وعلى جدول أعماله بند وحيد عنوانه الثوابت الوطنية والتحذير من التمادي في الإخلال بها لما يرتب من انعكاسات سلبية على الحياة السياسية العامة والعلاقات بين الطوائف ووثيقة الوفاق الوطني التي أنتجها اتفاق الطائف. وعلمت «الحياة» أن المشاركين في اجتماع اليوم يناقشون مسودة ورقة عمل وزعت على المدعوين، وفيها تأكيد أن الثوابت الوطنية هي ثوابت إسلامية يجب الالتزام بها خلافاً للمحاولات المستمرة للإخلال بها وضرب التوازن السياسي العام في لبنان. واعتبرت الورقة أن الإخلال بهذه الثوابت لا يشكل مخالفة للقاعدة الدستورية فحسب، وإنما هو تهديد مباشر للعيش المشترك والتمثيل السياسي من خلال الانتخابات النيابية، مشيرة في هذا المجال الى عدد من المحطات الرئيسة التي تم فيها الإخلال بها. ولفتت الى أن هذا الإخلال من شأنه أن يؤدي الى اخراج لبنان من التزاماته تجاه المحكمة الدولية وتمسكه بتنفيذ القرارات الدولية ومن الإجماع في مؤتمر الحوار الوطني الأول المعقود في آذار (مارس) 2006. وأبدت ورقة العمل مخاوفها من أن يؤدي الإخلال بهذه الثوابت الى إدخال لبنان في محاور وسياسات تضر بأمنه الداخلي وباستقراره وتطيح المعادلة السياسية الراهنة وقواعد اللعبة الداخلية. ويتضمن مشروع الورقة الطلب من ميقاتي «مراجعة موقفه انسجاماً مع إرادة جماعة المسلمين وموقفها»، إضافة الى بند خاص يتعلق بالعلاقات اللبنانية – السورية الذي يؤدي الى تعزيزها وتطويرها بغية تجاوز الحقبات السابقة، وصولاً الى تأكيد التمسك بما ورد في هذا الخصوص في وثيقة الوفاق الوطني، انطلاقاً من التكافؤ في الحقوق والالتزامات بين البلدين الشقيقين.