دفعت المعطيات العلميّة المتراكمة عن كوكب الزهرة وبيئته وأجوائه، عالم الفلك الأميركي البروفيسور جوفري لاندِس، وهو من «مركز غلِن للبحوث» التابع ل «ناسا»، إلى مناقشة إمكان استيطان الغلاف الجوي للزهرة على ارتفاع 50 كيلومتراً، بدلاً من محاولة استيطان سطحه المتّسم بظروف فائقة العدائيّة للعيش البشري. ولخّص لاندِس الصعوبات التي تطرحها مسألة استعمار أرض الزهرة، مستنتجاً ضرورة الاستيعاض عنه باستطيان الجو. «هناك فوق تلك الغيوم الكثيفة، تقدم لنا الزهرة فردوساً لنستوطنه»، وفق كلمات لاندِس. واقترح إنشاء مدن داخل مناطيد عائمة مملوءة بهواء الأرض. إذ إن فرق الوزن بين هوائيّ الأرض (متكوّن من 21 في المئة أوكسيجين و79 في المئة نيتروجين) والزهرة (96 في المئة ثاني أكسيد الكربون)، ينتج قوة رافعة تفوق ب60 في المئة القوة التي ترفع منطاد الهيليوم في هواء الأرض! في الواقع، فإن منطاداً معبّأ بهواء الأرض يستطيع أن يعوم في منتصف الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، حاملاً أوزاناً كبيرة. وعند ارتفاع 50 كليومتراً تقريباً من سطح الزهرة، تصبح ظروف البيئة شبيهة بنظيراتها في الأرض، بل بأكثر مما يكونه الحال في كواكب المجموعة الشمسيّة كلّها. وعند تجاوز ارتفاع ال50 كيلومتراً، تنهض الطبقات الجويّة العليا الأخرى بمهمّة حماية المنطاد وسكانه المحتملين من الأشعة الكونيّة الخطيرة. ولأنّ فرق الضغط بين داخل المنطاد وخارجه ليس كبيراً، لا يؤدي تمزّق المنطاد إلى انفجار أو كارثة، بل يتاح لعمال الصيانة في المنطاد معالجة الأمر بهدوء، لأنّ التسرّب بين المحيطين الخارجي والداخلي يكون هادئاً وبطيئاً. إضافة إلى ذلك، لا يحتاج خروج الروّاد من المنطاد إلى بدلة مصفحة ضد الضغط (هو سبب رئيس في تضخّم كلفة بدلات روّاد الفضاء)، بل يحتاجون لحمل قنينة هواء للتنفّس، وبدلات تستطيع تحمل الطابع الحمضي في أجواء. قباب وناس وغيوم في السياق عينه، تخيّل لاندِس قبّتين إضافيتين عند أطراف المنطاد - المدينة الأساسي، يمكن للربان أن يملأهما بكميات وافرة من غاز الهيدروجين أو الهيليوم الخفيف، تكون محمولة في قوارير مضغوطة، ما يعطيه إمكان تعديل ارتفاع المنطاد حين يلزم الأمر. وفي أعلى تلك الغيوم الكثيفة في جو الزهرة، تصل سرعة الريح إلى قرابة 340 كيلومتراً في الساعة، حتى أنها تنهي دورة كاملة حول الكوكب في أربعة أيام. في المقابل، فإن «يوم» كوكب الزهرة ( مدة دورانه حول نفسه) يعادل 243 يوماً مما يقاس على الأرض. ويعني ذلك أن سكان المستعمرة المنشأة في جو كوكب الزهرة سوف يتمتعون بيوم قصير نسبياً بالمقارنة باليوم الطويل لكوكب الزهرة. وباختصار، تتلخّص تحديات إنشاء مدن عائمة فوق سطح كوكب الزهرة في إيجاد غلافٍ خارجي للمنطاد - المدينة يسمح بمقاومة الحمض الكبريتي في الجو المحيط، كاستخدام السيراميك أو سلفات المعادن، لكن لا بد من أن يكون الغطاء شفافاً لأشعة الشمس كي يمكن مراقبة أرض الزهرة. على رغم جهود بذلت عبر قرابة نصف قرن، لم يرفع الستار عن كل أسرار ذلك الكوكب... ليس بعد. لماذا تختلف ظروفه جذرياً عما يسود على الأرض؟ هل لا تزال براكينه ناشطة؟ كيف؟ لماذا ليس لدى ذلك الكوكب صفائح تكتونيّة؟ لماذا يدور كوكب الزهرة حول نفسه في الاتجاه المعاكس لدوران بقية الكواكب، فتشرق الشمس عليه من الغرب وتغيب في الشرق! هناك ما ينتهي من الأسئلة لا تزال تغذي الحاجة إلى مزيد من استكشاف كوكب الزهرة.