ليس أسهل في مصر من الجلوس على مقهى، إلا تدشينها، فالأمر لا يحتاج إلى خبرات أو كفاءات ولا حتى اشتراطات صعبة، فقط مستلزمات بسيطة ومقاعد عدة تتراص على ناصية شارع أمام أي محل مهما صغر حجمه، مع ديكورات مُبهرة لزوم «الأسعار السياحية»، ليتحول إلى «كافيه». ومع تراجع النشاط الاقتصادي في مصر وحال الركود الذي ضرب الكثير من القطاعات الإنتاجية بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) من عام 2011، لوحظ، من دون جهد، تحول كثير من المتاجر في العاصمة إلى مقاهٍ، ضماناً للربح السريع المؤكد، حتى أن المصريين يتندرون على الأمر بالقول: «بين كل مقهى ومقهى... مقهى». في مصر، لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المقاهي، لكن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قدر عام 2010 حجم الإنفاق العام على المقاهي ب2.6 بليون جنيه. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد المقاهي قارب من البليونين في الأعوام الأخيرة، وفي تلك الأيام، باتت «الكافيهات» على رأس أولويات سلطات الإدارة المحلية، خصوصاً في العاصمة، بعد فاجعة مقتل شاب لخلاف مع عمال مقهى في حي مصر الجديدة، وهو أرقى أحياء العاصمة، على طريقة دفع الحساب، إذ سنت السلطات أنيابها في مواجهة أصحاب «الكافيهات»، وتحركت الجرافات الحكومية لتحطيم واجهات «الكافيهات»، ومصادرة أثاثها، وانتشرت «فيديوات» على مواقع التواصل الاجتماعي لمسؤولين يبدون فرحين وهم يلتقطون بكاميرات هواتفهم المحمولة صوراً لعمالهم يرفعون معاولهم ويكسرون زجاج وديكورات «الكافيهات» المتراصة في أحد أشهر شوارع الحي الراقي. التبرير الحكومي لهذا المشهد الصادم، أن كل تلك «الكافيهات» غير مرخص، ويتعدى على حرم الطريق، ويعيق حركة المواصلات، كأن السلطات لم تكن تعلم قبل حادث مقتل الشاب محمود بيومي تلك الحقائق. هذا إضافة إلى أن ممارسة النشاط التجاري في مصر من دون ترخيص ليس أمراً صادماً، خصوصاً في الأحياء الشعبية، لكن اللافت أن تلك القاعدة مطبقة أيضاً في أرقى الأحياء وأشهر الشوارع وأغلى «الكافيهات». وقال رئيس حي «مصر الجديدة» إبراهيم صابر ل «الحياة» أن غالبية «الكافيهات» في الحي غير مرخصة، موضحاً أن محافظة القاهرة أوقفت تراخيص المقاهي منذ عام 1992! ربع قرن لم تمنح فيها سلطات العاصمة أي ترخيص بفتح مقهى جديد، وعلى رغم ذلك تحولت شوارع بأكملها إلى تجمع للمقاهي. وأضاف أن أصحاب المقاهي يتحايلون على الأمر بالحصول على تصريح من وزارة السياحة بفتح مطعم سياحي، ثم يتحول تدريجاً إلى مقهى أو كافيه، لافتاً إلى أن السلطات المحلية لا تتوانى عن تطبيق القانون وتحرير محاضر بتلك المخالفات في شكل دوري، لكن لأن هذا النشاط يُحقق أرباحاً طائلة، يستمر أصحابه في مخالفاتهم، مضيفاً: «هناك إصرار وتحد في مخالفة القوانين»، لكنه تعهد إنهاء هذا الوضع، فهناك قرار ورغبة بحسم هذا الملف، والتعامل مع تلك المخالفات بحزم.