يشاهد المواطنون العرب منذ عشرة أعوام تقريباً، على شاشات الفضائيات ومواقع الإنترنت، عشرات المتحدثين الذين يهزون سباباتهم منذرين مهددين محذرين. ينتمي هؤلاء إلى تيارات ما يصطلح على تسميته الإسلام الجهادي الذي اتخذ من العنف وسيلة لفرض رؤيته في السياسة والاجتماع والثقافة. ويتوزعون على مذاهب وقوى شتى بحيث لا تحتكر أي جهة مذهبية «شرف» تخريجها الخطباء الغاضبين. ومعلوم أن للسبابة معنى رمزياً أثناء أداء الصلاة يشير بها قبيل الختام. واستحسن جهاديو زمننا هذا الرمز واسرفوا في استخدامه في غير موضعه. وعمّ اللجوء إلى رفع السبابات وهزها، حتى بات يمكن فهم ما سيقوله الخطيب ما أن يباشر هذه الحركة. وذهب المشرفون على أحد مواقعهم وهو «منبر التوحيد والجهاد» إلى وضع صورة يد تبرز سبابتها من كتاب مفتوح كشعار للموقع. وفي الغالب الأعم، يريد الملوحون بسباباتهم في وجوه المشاهدين نقل رسائل واضحة إلى ممثلي الكفر والاستكبار وخصوصاً إلى طاغوت العصر وهُبَله، الولاياتالمتحدة وإسرائيل ومن والاهما من صغار الشياطين، أن ساعة هلاكهم قد أزفت وأن الخطباء الذين تنتشر بينهم عادة وضع الأسلحة الخفيفة وراء ظهورهم، سيراً على نهج استنه أسامة بن لادن، لن يتركوا فساد الأميركيين والإسرائيليين على غاربه. وفي أحيان كثيرة، لا يتجاوز التهديد والوعيد أهل البلد المبتلي بعاهات ليس أقلها البيئة الاجتماعية التي ظهر خطباء السبابات المهتزة فيها. بيد أن عادة هزّ السبابة باتت تلازمها عادة ثانية أشد خطراً وضرراً. وإذ يصبر المشاهدون العرب على كلمات الخطباء وتهديداتهم، فإنهم (المشاهدون) يعلمون مسبقاً أنهم من سيدفع ثمن كل ما يتفوه به الخطباء المعتمرون أنواعاً والواناً شتى من العمائم وأغطية الرأس، في محاولة من اصحابها التذكير بأصالة المنشأ والفكر اللذين يأتيان منهما. بل إن احتمالاً من إثنين بات مرافقاً لكل «إطلالة» لخطيب من النوع هذا: إما ألا يحدث شيء، ويكون الكلام ذريعة لمضايقات أجهزة الأمن في مطارات العالم للمسافرين العرب والمسلمين، وإما ان يقع عمل يذهب ضحيته أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في سياسات بلادهم التي تستغل الأعمال الارهابية لتوسيع مصالحها بالقوة العاتية على حساب شعوبنا المقهورة. وفي الحالتين، ينجح الخطيب في الفرار من المطاردة المباشرة، ما لم يكن من الانتحاريين الذين ينفذون هجماتهم بأجسادهم. وبعد تسعة أعوام من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ما زال بن لادن ومعاونه أيمن الظواهري حرين طليقين، بينما تنحدر «ارض الجهاد» في افغانستان من قاع مصيبة إلى حضيض كارثة. في العراق ولبنان وغيرهما، أصحاب طرق في هز السبابات. وكلما ظهر واحد منهم ملوحاً بيده، غارت القلوب في الصدور تشاؤماً وخشية من الآتي المظلم. غير أن كل ما تقدم ينجم عن عقلية مشتركة لخطباء الموسم العربي الأعجف هذا، هي عقلية الاستعلاء بنصف معرفة وبوعي مشوه، على جموع المواطنين المحرومين من الحق في تقرير المصير. وهو حق أظهرت الانتخابات في لبنان وفي العراق في الأشهر الماضية (وربما ستظهر في مصر قريباً) أن التساؤلات في شأن أهليَتنا لممارسته لا تصدر عن هوى، بل عن قصور ملموس في ممارسة السياسة بمعناها التداولي.