فوجئ مستخدمو أجهزة «بلاك بيري» في السعودية، في منتصف آذار (مارس) الماضي، بتسريبات عبر وسائل الإعلام حول قرب تعليق خدمات هذا الخليوي الذي يصنف ضمن فئة الهواتف الذكية. وحينها، كتب أول فصل في مسرحية امتدت فصولها حتى الأسبوع الماضي، عندما أعلنت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في بيان أنها قررت السماح باستمرار خدمة «بلاك بيري ماسنجر» ومواصلة العمل مع مقدميها، لاستكمال بعض المتطلبات التنظيمية. وأوضحت أنها بصدد الاستمرار في تقويم الوضع ومراجعته، بحسب التطورات التي ترافقه، كي تبني على الشيء مقتضاه. والملاحظ من البيان المقتضب جداً أنه لم يحسم أمر إلغاء الخدمة، أو السماح لها بصورة تامة. وكذلك لا يوضح ماهية هذه المتطلبات التنظيمية، وهي نقطة غابت عن بيانات سابقة أيضاً. إذ لم يصدر عن الهيئة تفاصيل عن هذه المتطلبات، وما يتداول حولها يندرج تحت التسريبات من قبل شركات الاتصالات التي يكلفها إيقاف هذه الخدمة مبلغاً قد يصل إلى بليون ريال (266 مليون دولار) سنوياً. بريد «ماسنجر»: عين العاصفة وتفيد معلومات حصلت عليها «الحياة» بأن المتطلبات تتمحور حول قدرة الهيئة على الوصول إلى محتوى الرسائل التي يتبادلها مستخدمو «بلاك بيري» عبر خدمة «ماسنجر» فيه، علماً أن الأمر لا يشمل بقية الخدمات التي يقدمها «بلاك بيري»، مثل متابعة البريد الإلكتروني. وفي حديث إلى «الحياة»، أشار مصدر في إحدى شركات الاتصالات الخليوية العاملة في السعودية، إلى أسباب أمنية دعت لوقف خدمة «ماسنجر بلاك بيري». وقال: «كي تستمر هذه الخدمة، يتطلب الأمر إحكام سيطرة الرقابة على محتويات «ماسنجر». ولم تعطِ شركة «رسيرتش إن موشِن»، الصانعة ل «بلاك بيري» وخدماته، صلاحية كافية للدول التي تحتضنها، بأن تراقب وترصد الرسائل التي يجري تداولها عبر خدمة «ماسنجر». والمعلوم أن خدمات الخليوي تديرها 3 شركات هي «الاتصالات السعودية»، و «اتحاد الاتصالات» (موبايلي)، و «الاتصالات المتنقلة السعودية» (زين). وتعاملت «هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات» مع القضية بسرية تامة. وظل الجميع يسأل عن مغزى هذا التكتم الذي يضرّ بمصلحة التجار، ومقتني الجهاز، سواء كانو رجال أعمال أم أفراداً عاديين. ثم حدثت مفاجأة تمثّلت في إعلان هيئة الاتصالات قبل 48 ساعة من قرارها تعليق الخدمة، في بيان أول عن القضية، أن «تقديم خدمة «بلاك بيري» في وضعها الحالي لا يفي بالمتطلبات التنظيمية، بحسب أنظمة الهيئة وشروط التراخيص الصادرة لمقدمي الخدمة. إذ أبلغت الهيئة قبل أكثر من عام مقدمي خدمة الاتصالات المتنقلة الثلاثة في المملكة، بضرورة العمل مع الشركة المصنعة لأجهزة «بلاك بيري» على سرعة استيفاء المتطلبات التنظيمية... وبعد تعذر استيفاء تلك المتطلبات، منحت الهيئة مهلة نهائية لمدة ثلاثة أشهر لمقدمي الخدمة للوفاء بتلك المتطلبات، على أن يكون يوم السادس من آب (أغسطس) موعداً نهائياً لإيقاف الخدمة. ونظراً إلى أن المهلة المحددة أوشكت على الانتهاء، ولم يتم استيفاء المتطلبات التنظيمية المطلوبة، فقد تم تبليغ مقدمي الخدمة اعتماد الإيقاف الفوري للخدمة. ووجهت الهيئة مقدمي الخدمة بإشعار المشتركين في هذه الخدمة قبل تاريخ السادس من الشهر الجاري، بأنه سيتم إيقاف خدمة «بلاك بيري» إلى حين استيفاء المتطلبات التنظيمية لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات». ويرى المراقبون أنه وفق هذا البيان، فإن التجار والمشتركين في خدمة «بلاك بيري ماسنجر»، لم يتبلغوا بهذه المعلومات التي طرحها عليهم البيان للمرة الأولى، خصوصاً أن شركات الاتصالات أُبلِغَت بالموضوع منذ أكثر من عام، بحسب ما ورد في البيان عينه. والغريب أيضاً هو تأكيد الهيئة عبر البيان، أنها لا تقف ضد مصلحة المشتركين، طالما أن الخدمات المقدمة لا تتعارض مع أنظمة الهيئة. إذ أضاف البيان: «نحن حريصون على تشجيع الشركات لتقديم أحدث الخدمات المتوافقة مع متطلبات التراخيص الصادرة لها». وهناك تساؤلات أخرى. لماذا لم تطلب الهيئة من شركات الاتصالات إبلاغ مشتركيها عن تلك المعلومات أولاً بأول؟ لماذا انتظرت الهيئة كل تلك المدة للإعلان عن طلبها للشركات الحصول على التراخيص اللازمة؟ والسؤال الأهم هو كيف تسمح الهيئة لشركات الاتصالات بتقديم خدمات لم تتم الموافقة عليها طيلة عام كامل، وإدخال أجهزة إلى المملكة من قبل المستوردين، لخدمة غير مسموح بها نظامياً؟ ما مصير الأجهزة التي تم شراؤها واستيرادها قبل إعلان الهيئة عن وقف الخدمة مثار الجدل؟ لم يستطع أحد الإجابة عن هذه الأسئلة. وأُحيلت إلى الناطق الإعلامي باسم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية سلطان المالك، الذي رفض التعليق عليها. وسألته «الحياة» أيضاً عن عدم وضوح البيان المشار إليه أعلاه، فقال: «ليس بالضرورة أن يكون واضحاً، وليس من الأنسب أن يتم نشر ما اتفق عليه، وليس من الأهمية أن تثار في الإعلام». ثم أضاف: «البيانات التي أصدرتها الهيئة كانت واضحة». المعلوم أنه خلال الفترة الماضية، لم يشأ مالك أو محافظ الهيئة المسؤولة عن تنظيم قطاع الاتصالات في المملكة، التصريح لوسائل الإعلام، كما لم يوضح أي معلومة، وكذلك لم يُجِب عن الأسئلة التي أثيرت إعلامياً. وظلت وسائل الإعلام تستقي معلوماتها من شركات الاتصالات تارة ومن الشركة المزودة للخدمة تارة أخرى. يذكر أن جهاز «بلاك بيري» وخدماته، بدأت في السعودية منذ عام 2006. وحينها، اقتصرت استخداماتها على قطاع الأعمال. وبعد 3 أعوام، انتشر استخدام «بلاك بيري» في شكل كبير بين الشباب، الذين ركزوا على استخدام تقنية «ماسنجر» في تلك الهواتف، ما وفرّ لهم خصوصية في ما يتبادلونه من رسائل مع مستخدمي الجهاز نفسه. وتزامن ذلك مع حملة قامت بها شركات الاتصالات المحمولة الثلاث، قدمت فيها عروضاً مغرية للمشتركين في الخدمة، تشمل حصولهم على خدمة انترنت تصل إلى 2 غيغابايت مقابل 99 ريالاً سعودياً (27 دولاراً) شهرياً.