يشتري الناس وفي كل مكان من العالم تقريباً، أدوية وعقاقير منشطة مغشوشة عبر شبكة الانترنت، وبسببها يموت آلاف منهم، إلى درجة دفعت دولاً ومنظمات عالمية للتحرك بجدية لوقفها. الوثائقي الفرنسي «الأقراص القاتلة» اهتم بالظاهرة واقترح تجسيدها في عمل تلفزيوني يتناولها من زاويتين؛ الأولى تتعلق بدور الشرطة الدولية «الانتربول» ومحاولتهم الحد منها وتقديم مُصدريها الى القضاء باعتبارهم مجرمين يتسببون في قتل الناس. والثانية بعرض عينات بشرية انطلت عليها حيل العصابات المروجة للأدوية المغشوشة وأخرى كانت ضحية تواطؤ بين أطباء ومنتجي أدوية غير مرخصين. أول ما يكشفه الوثائقي الاستقصائي هو الحجم المهول للظاهرة وعدم انحسارها في مناطق محددة من العالم. رصد عمليات ترويجها في أفقر الدول وأغناها. ووجد أن عملية تصنيعها تتم في كل مكان بوسائل بسيطة يمكن توافرها في كل بلد. فالمصانع قد تقام في أقبية البيوت أو في مرائب السيارات وحتى في سفن صغيرة. ورأى أن التركيز الأساس لمروجيها ينصب على جودة تغليفها لتبدو كما الأصلية وأيضاً على تأسيس صفحات ويب «مقنعة» للمتصفحين حتى تبدو لهم وكأنها فعلاً تعود الى شركات عالمية لصناعة الأدوية. ومن هنا تأتي صعوبة ملاحقتها على مستويات محلية كما بيّنت المحققة في الانتربول الدولي سيسيليا فانت. «يمكن أن تكون محتويات بعض الأدوية غير ضارة مثل، السكر وبعض المُحَليات، وقد تكون أحياناً شديد السُمية وفي الحالتين تؤدي الى الموت، فتناول المرضى أدوية لا تؤدي غرضها المرجو يفاقم حالتهم نحو الأسوأ». لإغناء جانبه الاستقصائي يرافق الوثائقي، الذي عرضه التلفزيون السويدي، فرق تحقيق سرية في الولاياتالمتحدةوالهند وهم لم يكشفوا عن وجوههم خوفاً على حياتهم. في الأولى يواكب عملية جر مروّج للأدوية المغشوشة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي الى فخ نصب له في هايتي، جاء اليها من فيتنام لبيع بضاعته وتم تسجيل تفاصيل عقد الصفقة داخل أحد الفنادق بالصوت والصورة، ليدعم قوة الاتهام ضده. وعن هذا الجانب، يتحدث أحد رجال فرق التحري الهندية قائلاً: «علينا دائماً تثبيت وقائع عملية البيع والشراء وتحديد المسؤولين عن «صفحات الترويج» لأن تعامل أجهزة الشرطة والقضاء على الدوام مع جرائم الأدوية أبسط وأخف من التعامل مع جرائم بيع وتوزيع المخدرات. وفي أغلب الحالات توجه لمرتكبيها تهمة جرائم التلاعب ب «الماركات» العالمية واستغلال علامات المنتجات المعروفة للترويج، ما يشجع مرتكبها على الاستمرار». يلتقي الوثائقي عدداً من المرضى الذين تدهورت صحتهم بسبب تناولهم منشطات جنسية ظهر انها تحتوي على مواد مؤذية للقلب وقابل أقرباء أشخاص أخذوا أدوية لعلاج أمراض السرطان، عرضت على صفحات الانترنت بأثمان رخيصة مقارنةً بالأدوية الأصلية. واتضح بعد تشريح جثثهم أنهم قد تناولوا أدوية تحتوي على مواد سامة أو غير مفيدة ما زاد من تفاقم حالتهم وأدى الى موتهم. الأرقام المقدمة في الوثائقي مخيفة. فبعد جولاته ومقابلته مختصين في صناعة الأدوية، اتضح وفي الصين وحدها انه قد توفي ما يقارب ربع مليون إنسان العام الفائت، بسبب تناولهم أدوية مغشوشة وعقاقير منشطة. وفي الهند، الرقم لا يقل عن هذا كثيراً. وفي كل الأحوال يموت سنوياً في آسيا ما يزيد عن مليون إنسان، فيما قتلت أدوية مكافحة الملاريا والسل المزيفة في القارة الأفريقية خلال السنوات الخمس الأخيرة ما يتجاوز ثلاثة أرباع مليون إنسان. يتوصل الوثائقي التلفزيوني الى وجود شبكات عالمية تنسق في ما بينها وبالتالي تصبح مهمة القبض على الرؤوس الكبيرة فيها صعبة جداً. قاموا هؤلاء بتوزيع المهمات في ما بينهم وفي أكثر من دولة، وإذا تم العثور على مصدر صناعة «الأقراص» في مكان ما يصعب على الشرطة معرفة مكان طباعة أغلفتها أو موقع المسؤول عن إدارة صفحات الترويج والإعلانات لها. جنت شبكات صناعتها وتوزيعها أموالاً طائلة تقدر بالبلايين وراحت توسع مساحة عملها. فإنتاج أقراص ل «علاج» السمنة مثلاً في مصنع صغير في كوستاريكا تجده مرتبطاً بشبكة عمل مكملة مراكزها في أوروبا واسرائيل أو هونغ كونغ. ومع هذا، فما يحققه الانتربول وأجهزة الشرطة المحلية ليس بالقليل. ففي عام 2014 اغلق نحو 2500 «ويب» على الشبكة العنكبوتية وصودر أكثر من 20 مليون قرص وجرعة دواء مغشوشة وألقي القبض على أكثر من مئتي تاجر كبير. الأرقام ومع أهميتها لا تفرح العاملين في حقل ملاحقة مجرمي الأدوية لأنهم على دراية بسعتها وصعوبة السيطرة عليها، ما دام الناس يُقبلون على شرائها ولا يتعاونون معهم كفايةً. أما الأطباء والصيادلة فيركزون على أهمية الحفاظ على ثقة الناس بالأدوية والجهات المرخصة بكتابة وصفاتها والصيدليات المسموح لها ببيعها. ووفق أحد العاملين في مؤسسة صناعة الأدوية الدولية «أخطر ما يمكن أن نواجه ونتيجة لانتشار الأدوية المغشوشة هو فقدان الناس الثقة بالأدوية المرخصة وبمنتجيها».