أضم صوتي لصوت الطبيب الكاتب خالص جلبي عندما أكد أنه كما يقول نيتشه «لست المتشائم فهي من مظاهر الانحطاط، ولست المتفائل فهي من علامات السذاجة والسطحية، والطريق الصحيح بينهما قواماً هو ولادة التفاؤل من رحم المعاناة». مكثت ساعة والتفاؤل يغمرني أرقب من نافذة مكتبي حركة السير صباح يوم الأربعاء الماضي في أهم طرق وشوارع مدينة الرياض اكتظاظاً بالمركبات، طريق الملك فهد وتقاطعاته مع شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز ومع طريق مكةالمكرمة، وفي الاتجاه الآخر شارع العليا وتقاطعاته مع شارع الأمير سلطان وشارع الأمير محمد بن عبدالعزيز. هدوء ولد من رحم ارتباك مزعج، والتزام خرج من عباءة فوضى يتخلله بين الحين والآخر نتوءات قبح أصبحت هي الحال الشاذة بعد أن كانت القاعدة! ما الذي حدث حتى تتحول الرياض - نوعاً ما - إلى السلوك المروري الطبيعي الخَلاّق؟ بدأت أبحث عن الإجابة في مكامن نظام «ساهر» الجديد الذي مضى على تطبيقه شهر، وأول شيء قررت فعله البدء بالنفس وما تملك، اتصلت على الرقم «2928888» المعلن للتعرف على المخالفات المرورية المسجلة على ما أملكه من مركبات، أدخلت رقم بطاقة هويتي الوطنية، فكانت النتيجة إيجابية بتسجيل مخالفة قيمتها 500 ريال، سددتها وأصدرت التهمة على الفور بحق السائق! وبعد، أدخلت رقم الهوية الوطنية لابني الأكبر فجاءت النتيجة سلبية بعدم تسجيل أي مخالفات فحمدت الله سبحانه وتعالى على التزامه ومتابعته وإحساسه بالنظام، ثم أدخلت رقم الهوية الوطنية لابني الآخر فكانت النتيجة إيجابية بتسجيل ثلاث مخالفات قيمتها 1300 ريال، سددتها على الفور وطلبت منه عبر الهاتف اجتماعاً عاجلاً مساء اليوم نفسه، وأنه سيواجه حساباً عسيراً بعد سهولة الرقابة التي وفرها لنا الرفيق الجديد «ساهر». لا أعرف لماذا اختلطت عندي مشاعر الفرح بالقلق، والطمأنينة بالخوف، وحتى أمنع الصدام بين هذه المشاعر المختلطة، قررت الاستعانة بصديق فكان هذا الحوار: صباحك « ساهر» أيها الصديق العزيز. على الفور عرف مقصدي وهدف اتصالي وقال: أتمنى ألا تكون خسائرك ثقيلة؟ أجبته: كنت مرتاحاً وأنا أسدد قيمة مخالفات النظام الجديد، وهذا بالنسبة لي هو الأهم. قال: إذن أين تكمن المشكلة ما دمت تشعر بالارتياح؟ قلت له: علمت أن مشروع نظام «ساهر» تم بالشراكة بين الأمن العام، وشركة من القطاع الخاص تحصل على 20 في المئة من دخل المخالفات، ومن يدير مركبات «ساهر» الرقابية المنتشرة في أرجاء المدينة تابعين للشركة وألبستهم مدنية، وهذا ما يقلقني! أجابني بعد أن عرف المقصد، أن التقنية المتطورة المطبقة «على حد علمه» في النظام هي المتحكمة في الإرسال والاستقبال، ولا تخضع لاجتهادات أو عبث موظفي الشركة المساهمة في المشروع، الأجهزة تلتقط صورة السيارة المخالفة برقم اللوحة، وبنظام آلي تُستقبل في مركز التحكم التابع لمرور الرياض الذي بدوره يُصدر نوعية وقيمة المخالفات. قلت له: في الدول الأخرى الكاميرات المنتشرة في أرجاء المدن هي من يقوم بهذا الدور، لماذا لازلنا نحبو خلف مركبات؟ أجابني: إن مركبات «ساهر» مرحلية تسبق مشروع شبكة التقاط مرورية رقابية متكاملة يجري العمل على تنفيذها في المدن الرئيسة في المملكة. دعوت الله أن يحقق لنا حلماً طال انتظاره، ثم قلت للصديق ألا تلاحظ معي أن السرعات المحددة في الطرقات والشوارع وضعت بشكل عجيب، من الذي حدد هذه السرعات؟ وما الأسس والمعايير الذي بنيت عليها؟ أليس هناك نظام عالمي سبقنا تجربة وخبرة يمكننا الاستفادة منه؟ أجابني: ما ينقصنا للأسف عند تطبيق أي مشروع البحث في التفاصيل وعدم الاستعانة بخبراء وتجارب من دول متقدمة سبقتنا في النظرية والتطبيق، ولهذا تخرج بعض مشاريعنا وأنظمتنا مُحدِثةً البلبة والتشكيك، ومنها نعود لنقطة صفر مللنا منها وكبرت في محيط حياتنا الاجتماعية! [email protected]