رؤيتنا الوطنيّة 2030 تبني مناهجنا    المؤسسات العلمية في عالم المتغيرات    محافظة شقراء والأمن الغذائي    عشرات الشهداء والجرحى في قصف مكثف على غزة    لبنان يؤكّد الالتزام بالقرار 1701    الحكومة اليمنية: تحقيق السلام مرهون بالانسحاب الحوثي    موقف سعودي - إندونيسي مشترك تجاه العدوان على غزة.. إدانة ووقف فوري ومحاسبة الاحتلال    إنفانتينو: إنجاز الهلال سيظل خالداً    كورتوا: عودة مبابي مهمة للغاية    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    نائب أمير الرياض يرعى الحفل السنوي لجمعية تيسير لمساعدة ذوي الإعاقة على الزواج    المخدرات الموت البطيء    الوهيبي ل«الرياض»: أتمنى استضافة المملكة للمخيم الكشفي العالمي    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    محمد بن عبدالرحمن يفتتح ورشة الوضع الراهن في إمارة الرياض    اتحاد القدم السعودي يوافق على تقديم فترة تسجيل اللاعبين    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام ينظم فعاليات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات    ملتقى "مشروع مجتمع الذوق" يجمع قادة المؤسسات في المنطقة الشرقية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    تعيين أحمد زيدان أمينا عاما لغرفة المدينة المنورة    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم ضمن الأفضل عالميًا    من أعلام جازان.. الأستاذ عبدالله بن عيسى إسماعيل الشاجري    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    134مليار ريال إنفاق المستهلكين    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. آل الشيخ: السعودية تعيش تحولاً كبيراً بمختلف المجالات    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    "الداخلية" تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن الإيرانيين عبر منفذ جديدة عرعر    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    العثمان.. الرحيل المر..!!    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة في أفكار شيراغ علي ومحمد إقبال وأبي الأعلى المودودي
نشر في الحياة يوم 20 - 02 - 2016

أدت الأحداث التي شهدتها العقود الأخيرة من القرن العشرين وما تلاها في القرن الحادي والعشرين، والمتصلة بصعود الحركات الإحيائية الإسلامية ومعها التطرف الذي اتخذ أشكالاً من العنف والإرهاب، إلى وضع الإسلام ديناً وممارسة على بساط البحث، خصوصاً في العالم الغربي. ذهب كثير من الباحثين والمستشرقين إلى إعطاء صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين تتصف بكون مجتمعاتهم لم تعرف التحديث، ولم يدخل إليها الإصلاح الديني، وفي ذلك يكمن جذر التطرف الذي يشهده العالم الإسلامي.
يتجاهل هؤلاء الكتاب المحاولات الإصلاحية التي تعرض لها الإسلام في القرن التاسع عشر والقرن العشرين في بلدان المشرق العربي ومغربه. كما يجري تجاهل المحاولات الإصلاحية التي عرفتها المنطقة الأكبر جغرافياً والتي تضم مئات الملايين من المسلمين في جنوب شرقي آسيا، خصوصاً في ما كان يعرف ببلاد الهند، قبل أن يجري تقسيمها، الذي وُجدت بموجبه دولة باكستان. لذا ظهرت كتابات تناقش الموروث الغربي والاستشراقي عن الإسلام تأخذ طريقها في موازاة كتب تصر على الصورة الجامدة عن الإسلام انطلاقاً من ممارسات الحركات الإرهابية التي تعلن عن نفسها إسلامية وممارساتها مغطاة من النص الديني. من الكتابات الحديثة الصادرة في هذا المجال كتاب لكاتب برتغالي هو كريمو محمد، ويدعى «الإصلاح الإسلامي في الهند، الدولة في فكر شيراغ علي، محمد إقبال وأبو الأعلى المودودي». ترجم الكتاب كل من محمد العربي وهند مسعد، وصدر عن دار «الجداول» في بيروت، ودار «مؤمنون بلا حدود» في الرباط، وذلك في العام 2016.
يتناول الكتاب فترة تمتد إلى تسعين عاماً، بين العامين 1857 و1947، عندما كانت بلاد الهند موحدة، وكانت دولة باكستان جزءاً لا يتجزأ من هذه الدولة وتضم في رحابها حوالى أربعمئة مليون مسلم، يشكلون أكبر مساحة لوجود المسلمين. قبل الانفصال في العام 1947 ونشوء دولة باكستان، شهدت تلك البلاد نقاشاً حيوياً حول قضايا تتصل بالإصلاح الديني في الإسلام، خصوصاً على مستوى علاقة الدين بالدولة، ومسائل الحداثة والتحديث، والنظرة إلى الآخر غير المسلم، وصولاً إلى التشريعات التي تنظم حياة المسلمين، ومدى علاقتها بالنصوص أو في ما أنتجه الفقهاء على هذا الصعيد. لم يكن النقاش في هذه المسائل ببلاد الهند مفصولاً عن حركات الإصلاح الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين، التي عرفها بعض البلدان العربية أو التي كانت خاضعة للسلطنة العثمانية. يشير الكاتب إلى هذا الجانب قائلاً: «كان النصف الثاني من القرن التاسع عشر فترة من الثراء العظيم في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، وذلك مع قيام مجموعة كبيرة من المفكرين المسلمين في أنحاء مختلفة من العالم، بفحص أصول التشريع الإسلامي دينياً. وارتكزت المشكلات الدينية في قلب هذه الفحوصات إلى صلاحية المعرفة المستقاة من المصادر خارج القرآن الكريم، ومنهجية مصادر التشريع التقليدية، وهي القرآن والسنة النبوية والإجماع والقياس. وتمثلت الخطوة الإبستيمولوجية التي قام بها هؤلاء، في إعادة تفسير القرآن والحديث وتغيير الإجماع والقياس في ضوء العقلانية العلمية. من بين هؤلاء الذين كان لهم تأثير عميق في اتجاه الإصلاح: الأفغاني (1838- 1897)، سيد أحمد خان (1817- 1897)، محمد عبده (1849- 1905)، وأمير علي (1849- 1928)، الذين قدموا الإسلام في توافق مع الأفكار الحديثة والعلوم العقلانية.
يتناول الكاتب سيرة وأعمال ثلاثة من رواد الإصلاح الديني في الإسلام، كما يراهم. المصلح الأول هو شيراغ علي (1844- 1895)، وهو من أصول كشميرية. يركز علي في كتاباته على دحض الانتقادات والمغالطات الاستشراقية التي تتناول الإسلام، ويشدد على أن النظام والمذاهب الإسلامية القانونية كانت مؤسسات إنسانية قابلة للتعديل والتصحيح، كما يرى أن القرآن شدد على الأوامر والنواهي الدينية ولم يدعم أي نظام قانوني ثابت، كما لم يأمر بنظام سياسي معين. كان متأثراً بمنهج سيد أحمد خان القائم على عقلنة الإيمان الديني، وفحص المصادر التقليدية للشريعة الإسلامية، وذلك للتغلب على تزمت الفقهاء التقليديين. ينقل الكاتب عن شيراغ علي رفضه أي مصدر للشريعة الإسلامية باستثناء القرآن، يقول شيراغ: «هناك بعض النقاط في الفقه العام الإسلامي ليس من الممكن توفيقها مع الحاجات الجديدة للإسلام.. وتحتاج إلى تعديلات، فهناك فصول متعددة في الفقه العام الإسلامي، مثل تلك المتعلقة بالعبودية، والمؤسسات السياسية، والتسري، والزواج والطلاق، وعدم كفاءة الموالي من غير المسلمين... يجب أن يعاد صوغها وأن تعاد كتابتها في اتساق مع التأويلات الدقيقة للقرآن الكريم».
خاض شيراغ علي نقاشاً مستفيضاً مع كتابات غربية حول الإسلام، وهي نظرات يراها أحادية الجانب وغير موضوعية في قراءتها النص الديني والتشريعات الناجمة عنها. يرفض النظرات الغربية عن عجز الإسلام عن التكيف مع العصر وعن جموده، بل يرى أن الإسلام قادر على إحراز تقدم أخلاقي واجتماعي، كما هو قادر على التكيف مع التغيرات السياسية والاجتماعية الجارية. ويقول إن «دولة محمد» لم تكن دولة ثيوقراطية في نظامها الحكومي، بل تقوم على مبادئ ديموقراطية.
المصلح الإسلامي الثاني لدى الكاتب هو محمد إقبال (1877 – 1938)، الباكستاني المولد، والذي كتب في مجالات عديدة تشمل الشعر والفلسفة والتصوف، إضافة إلى الكتابات السياسية. ركز إقبال على هدم الصورة التي ترى في الغرب الخير، مشيراً إلى الوجه الاستعماري لهذا الغرب والتوحش الذي ظهر فيه خلال الحرب العالمية الأولى وفي علاقته بالبلدان والشعوب التي استعمرها. وعلى رغم رفضه التفوق الحضاري الغربي، إلا أنه لم يكن يرى التحدي هو الاختيار بين الشرق والغرب، بل في إيجاد طريق وسيطة لا يهجر فيها المسلمون هويتهم من أجل المشاركة في العالم الحديث، كما دعا إلى تشكيل حضارة مشتركة يستطيع أن يساهم فيها كل من الشرق والغرب.
يرى محمد إقبال أن الإسلام والمسلمين كانوا في خطر داهم في مواجهة الفناء والانحطاط، وقد أصابهم الضعف سياسياً وفسدوا أخلاقياً وتخلفوا ثقافياً، وهي مسائل تتناقض مع الطبيعة الداخلية للإسلام «المفعمة بالحيوية والإبداع». وبالنسبة إلى إقبال، «الإسلام أكبر من أن يكون مجرد عقيدة، إنه أيضاً جماعة، إنه أمة. إن الانتساب إلى الإسلام لا يكون فقط بالميلاد، أو المكان أو التربية، إنما بهوية الإيمان». ويعتبر أن أفضل شكل تتخذه جماعة المسلمين هو الديموقراطية التي هي «الوضع المثالي الذي يسمح للإنسان بأن يطور من إمكانات الطبيعة عندما يمنحه الحرية اللازمة بالقدر الممكن. والخليفة في الإسلام ليس إنساناً معصوماً، ويخضع مثل كل المسلمين الآخرين للقانون، وينتخبه الناس ويعزلونه إذا ما خالف القانون».
وفي حديثه عن الدستور السياسي للمجتمع الإسلامي، برى إقبال أن هناك افتراضين يؤسسان لهذا الدستور، الأول هو القانون الإلهي ذو السمو المطلق، باستثناء أن يكون الإنسان مفسراً لهذا القانون، فإنه في المقابل لا يوجد مكان للسلطة في البنية الاجتماعية للإسلام. أما الافتراض الثاني، فيشدد على عدم وجود أرستقراطية في الإسلام، بمعنى عدم وجود طبقة مميزة، أو كهنوت، أو نظام للطبقات، بل هناك وحدة لا تمييز فيها بين الناس. ومبدأ المساواة هذا بين كل المؤمنين جعل من المسلمين الأوائل قوة عالمية.
أما المصلح الثالث لدى الكاتب، فهو أبو الأعلى المودودي (1903– 1979) المولود في الهند. شهد المودودي انهيار الإمبراطورية العثمانية وفشل الخلافة، وهو ما غذى لديه الشعور بالخطر الذي يتهدد الإسلام. أظهر المودودي اهتماماً عميقاً بمفهوم الأمة، تجلى ذلك في مناقشاته مفهوم نشوء نظام إسلامي صاف على المستوى المحلي، ثم في تخيل قيام نظام إسلامي عالمي. يجري اتهام المودودي بأنه الأب الروحي والفكري للصحوات الإسلامية، خصوصاً عندما كان يشدد على أن الإسلام هو الحل لجميع المشكلات. لم يكن المودودي مؤمناً بالديموقراطية وسيلة لحفظ حقوق الأقليات وضمانة لها، ف «الديموقراطية، إذا تمت تعريتها حتى النخاع سنجد أنها طغيان الغالبية. وبما أن المسلمين أقلية في الهند ومن المرجح أنهم سيظلون كذلك، لذلك لن تكون إقامة نظام ديموقراطي في الهند بالنسبة اليهم إلا سماً قاتلاً، وتدميراً لثقافتهم وذهاباً بهويتهم، وسينتهي الأمر بإجبارهم على التخلي عن دينهم».
في تفسيراته للإسلام، شجب المودودي المؤسسات التقليدية الضاربة في القدم لدى المسلمين، واعتبر أن شرط نجاح الإسلام كدين أو كحضارة، إنما يكمن في محو المسلمين تجاربهم الثقافية وعاداتهم المتراكمة، والعودة إلى الإيمان الأول كما كان في عهد النبي. خلط المودودي بين الدين والسياسة، وهو ما جعله يقول بقراءة سياسية للإسلام تتحول فيه التقوى إلى سلطة سياسية، والإيمان إلى أيديولوجيا. يقول الكاتب في هذا المجال: «رؤية المودودي لم تكن حديثة على أي حال، لكنها كانت تدعي الحداثة، فهو لم يكن يسعى لإحياء مسألة رجعية، بل تحديث المفهوم التقليدي للفكر والحياة الإسلامية. ورؤيته كانت تمثل انفصالاً واضحاً عن التراث الإسلامي، وبشكل أساسي كانت قراءة جديدة للإسلام من منطلق الفكر الحداثي».
سيظل التفكير والعمل في نهج الإصلاح الإسلامي قائماً، بل يكتسب أهمية أكبر اليوم في ظل الانفجار الذي يعانيه الإسلام من خلال هذا الصعود الهائل للتنظيمات الأصولية المتطرفة التي شكلت عنصراً سلبياً في الإسلام وساهمت في إلصاق تهمة تشجيعه على الإرهاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.