استعراض سير عمل المنشآت الصحية أمام أمير تبوك    لبنان وغزة .. تحركات لوقف النار وضغوط داخلية لردع قوات الاحتلال    اجتماع استثنائي في واشنطن لتحديد مستقبل أوكرانيا    150مفقودا بعد فيضانات مدمرة في باكستان    في الشباك    بنزيما ورونالدو تحدٍ خاص    2000 ريال غرامة قيادة المركبة بدون رخصة    إطلاق الإصدار الجديد من شهادتي الميلاد والوفاة    إصدار مسرحي جديد لأدبي الطائف    ابتعاث الإعلام.. صناعة جيل سعودي يروي قصته للعالم    معلم ينقذ حياة طالبة التمريض    فالكونز السعودي يتصدر المشهد العالمي    270 حالة وفاة بالكوليرا في دارفور    وزارة الثقافة تشارك في صوْن التراث بجازان    متحدث عراقي: انسحاب التحالف مؤشر على قدرتنا للتصدي للإرهاب    شاطئ المستقبل.. وجهة سياحية جديدة تجذب أهالي جدة وزوارها    الأمير سعود بن مشعل يطلع على أبرز إنجازات مطار الملك عبدالعزيز الدولي.    تحت رعاية خادم الحرمين.. الهيئة العامة للصناعات العسكرية تُنظّم معرض الدفاع العالمي    أمير نجران يتابع استعدادات العام الدراسي    مقترحات لمرور العاصمة المقدسة    الرياض تستضيف الطاولة المستديرة السعودية – السورية    السياحة في السعودية بين عبق التاريخ ودهشة الطبيعة    الكشف عن تفاصيل بطولة كأس السوبر السعودي 2025-2026 في هونغ كونغ    الشؤون الإسلامية تنفذ أكثر من 2,9 مليون منشط توعوي وإرشادي    أمير جازان.. رؤية تلامس الواقع وإنسانية تحاكي القلوب    الصحة القابضة والتجمعات الصحية يطلقون "تعلّم بصحة" بالتزامن مع العودة للدراسة    شهر للغة العربية في أذربيجان    أكاديمية الإعلام السعودية بوزارة الإعلام تعلن انطلاقة أولى مراحل مسار "قادة الإعلام" في سويسرا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس سيراليون    تعليم جازان ينظم لقاءً افتراضيًا لمديري ومديرات المدارس استعدادًا للعام الدراسي الجديد    جمعية التكافل وشركة نهضة التنمية تبحثان عن سبل التعاون المشترك    جمعية عين تختتم مشروع عمليات اعتلال الشبكية بدعم من "غروس" وشراكة مع مركز بن رشد للعيون    أمير حائل يستقبل مدير مكافحة المخدرات المعين حديثًا بالمنطقة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير سجون المنطقة الشرقية بمناسبة تعيينه    تراجع سوق الأسهم السعودية 11 نقطة بضغط من 4 قطاعات قيادية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة استشر طبيبك لمنسوبيها    عشّاق القهوة بمزاج أفضل بعد فنجانهم الأول    ب 16 ميدالية في بطولتي أستراليا وكازاخستان.. أخضر التايكوندو يتألق عالمياً    الأرجنتيني كوزاني يحمي مرمى الخلود    الشرع: وحدة سوريا فوق كل اعتبار    أمر ملكي: إعفاء طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع من منصبه    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    صابرين شريرة في «المفتاح»    لا تنتظرالوظيفة.. اصنع مستقبلك    شخصية كرتونية تحول مزارع فاشل إلى بطل    السعودية تستقبل وفدا سوريا استثماريا برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة    تربية غريبة وبعيدة عن الدين!!    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    الجيش يؤكد عدم اخترق أجواء سوريا.. وعون: لا تدخل في شؤون لبنان    «رونالدو وبنزيمة» يسرقان قلوب جماهير هونغ كونغ    سرقة مليوني دولار من الألماس في وضح النهار    الأمير تركي الفيصل ورسائل المملكة في زمن الاضطراب الإقليمي    زرع الاتكالية    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    تجمع مكة الصحي يخصص عيادة لعلاج مرضى الخرف    "قيمة العلم ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة" موضوع خطبة الجمعة بجوامع المملكة    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«داعش» و «الحوثي» يصعدان على أنقاض الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 23 - 11 - 2015

«ينقصني شرط واحد لأصبح داعشياً» يقول محمد (35 عاماً)، مشيراً إلى جملة من الأفكار والضغوط النفسية والمعيشية تحاصر الفرد وتدفعه ليكون جهادياً، في وقت يتجلى الطابع المذهبي للعنف الذي يشهده اليمن نتيجة لانهيار تجربة التحول الديموقراطي وإخفاق الأحزاب اليمنية في بلورة هوية وطنية جامعة.
ويذكر محمد (خريج جامعي عاطل من العمل) أن الأوضاع التي تشهدها البلاد تدفع المرء غصباً عنه الى أن يكون «شافعياً أو زيدياً»، موضحاً أن عدم اعتقاده بوجود حياة أخرى هو ما يمنعه من أن ينضم الى واحدة من الجماعات الجهادية.
وينظر إلى تخلف التعليم وانتكاسة تجربة التحول الديموقراطي، بوصفهما سبباً في تصاعد موجة العنف، واتساع سطوة الجماعات المتطرفة، حتى باتت كارثة تعوق محاولات إخراج اليمن إلى بر الأمان، وفق الطالبة الجامعية منى سلطان. ويؤشر استهداف «داعش» و «القاعد»ة في الجنوب والحوثيين في الشمال، مؤسسات التعليم إلى مدى تفاقم الأخطار التي تواجه الحريات، ما ينذر بمزيد من التضييق على فضاءات المدنية المحدودة والهشة أصلاً.
فبعد أسابيع من تفجير مجهولين يشتبه بانتمائهم إلى «داعش» قنبلة صوتية في حرم كلية الحقوق في جامعة عدن وتلقي الجامعة ومؤسسات تعليمية أخرى تهديدات تطالب بفصل الذكور عن الإناث، أغلق مسلحون متطرفون كلية العلوم الإدارية في المدينة الجنوبية. ويقول سكان أن يد «داعش» و»القاعدة» لمنع الاختلاط والموسيقى امتدت إلى داخل بعض المراكز التجارية في عدن وحضرموت.
وفي الشمال اعتدت مليشيا الحوثيين (حركة أنصار الله) الموالية لإيران على طلاب وأساتذة في جامعة صنعاء وتعز واعتقلت عدداً منهم. ونصبت المليشيا موالين لها في الجامعات والمدارس الواقعة تحت سيطرتها، فيما اشتكت طالبات في جامعة صنعاء من مضايقات وتهديدات تعرضن لها بسبب عدم ارتدائهن الحجاب . ومطلع أيلول (سبتمبر) الماضي اغتيل في تعز (جنوب غرب) التي يستمر فيها القتال، الشاب أنور الوزير بسبب ميوله العلمانية، وفق ما يفهم من بيان أصدرته «منظمة العلمانيين اليمنيين».
ومثل 22 أيار (مايو) 1990 لحظة فارقة في تاريخ اليمنيين، ففي هذا اليوم تم توحيد شطري اليمن وإقرار النظام الديموقراطي ما فتح آفاقاً لتطلعات أبناء البلد الأفقر. بيد أن هذه الأحلام سرعان ما انهارت بسبب تصارع النخب، وهي نخب ذات ثقافة شمولية كما يصفها كثيرون. فبدلاً من أن تعمل النخبة الحاكمة على بناء مؤسسات الدولة الضعيفة، زادتها ضعفاً وهشاشة بسبب صراعاتها على الثروة والسلطة.
وصار واضحا أن الطابع المذهبي للحرب الأهلية الثانية التي تشهدها البلاد على خلفية انقلاب مسلح تنفذه منذ 21 أيلول (سبتمبر) 2014 ميليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يتغذى أساساً على نكسة تجربة التحول الديموقراطي الوليدة والتي تعد حرب صيف 1994 الأهلية محطتها الأولى.
وكانت الجماعات المتشددة، السنية والشيعية، وما زالت، المستفيد الأول من تفشي مشاعر الإحباط والغبن لدى الشباب الساخط جراء تفشي الفقر والبطالة وتمادي نظام الرئيس علي عبد الله صالح في ممارساته الموصوفة بالديكتاتورية، ومنها إجراء انتخابات صورية وسعيه إلى توريث الحكم.
فعقب انتصار الشمال على الجنوب السني في حرب صيف 1994، أعاد تنظيم «القاعدة» صوغ مظلومية الجنوبيين باعتبارها نتيجة هيمنة الزيود (أتباع المذهب الزيدي). وتعزز ذلك مع إصدار رجل دين شمالي فتوى دينية تشرع للحرب على الجنوب.
وفي شمال الشمال، خصوصاً في صنعاء وصعدة، استغلت جماعات الإسلام السياسي الشيعية انتساب بعض أتباع المذهب الزيدي إلى حزب تجمع الإصلاح السني وتأسيس مركز «دماج للحديث»، وهو معهد ديني سني سلفي في محافظة صعدة، المعقل التاريخي للزيدية، لتطلق خطاباً مذهبياً مفاده أن الزيدية مهددة بالاندثار.
ويصف أنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ثورة 11 شباط (فبراير) الشبابية السلمية التي أجبرت صالح في 2011 على التنحي عن الحكم بأنها «تعِزيّة» نسبة إلى محافظة تعز السنية.
ويعتقد ناشطون تعزيون أن القتل والتدمير اللذين تمارسهما منذ آذار الماضي قوات صالح وميليشيا الحوثيين في مدينة تعز هما انتقام من أبناء تعز لاجتراحهم أول ثورة سلمية استلهموها من شرارة الثورة التونسية.
وفي وقت صارت الأحزاب مذمومة حتى من بعض منتسبيها، يحظى «داعش» و «انصار الله» (الحوثيون) بجاذبية في أوساط الشباب المتدين. ويتشابه التنظيمان الأشد تطرفاً في المذهبين السني والشيعي، في الصعود اللافت وإسقاط المدن الواحدة تلو الأخرى. كما في استغلالهما المظالم الاقتصادية والسياسية.
وتلفت منى إلى تهاوي النخبة الثقافية وتمترسها خلف القوى الدينية. وتقول: وجدنا مثقفين بينهم من يزعم أنه علماني يبررون ممارسات التنظيمات المتطرفة بدعوى أن الوقت غير ملائم وأن التركيز ينبغي أن يتوجه حالياً إلى العدو الرئيس.
وكان مثل هذا الصوت التبريري ظهر عند اجتياح الحوثيين عمران وصنعاء حين دفع البعض باتجاه إطاحة الحوثيين سلطة أبناء الأحمر التقليدية، ليتضح في ما بعد أن الحوثيين وصالح لا يقلان تقليدية وطمعاً بالسلطة من عائلة الأحمر وهو ما تجلى بوضوح في حل الانقلابيين البرلمان وإطلاقهم حملة تروج لنجل صالح رئيساً للجمهورية.
ويتفق محمد ومنى وآخرون على أن تذبذب المواقف من الانقلاب يرجع الى هشاشة الثقافة الديموقراطية والمدنية، ما يعزز -وفق الناشط كريم الحنكي- «القابلية الاجتماعية» لممارسات الجماعات المتشددة في مجتمع تقليدي أصلاً.
ويرى باحثون في تفشي الفقر والأمية، سبباً رئيساً في تعاظم قوة التنظيمات المتطرفة. وتقدر نسبة الأمية ب62 في المئة من السكان، وتصل الى 70 في المئة في الريف، فيما لا يتمتع حملة الشهادات بثقافة واسعة أو قيم حديثة. ووفر انهيار الدولة على خلفية انقلاب الحوثيين وصالح، بيئة غير مسبوقة للجماعات المتطرفة، وبات «داعش» قوة لا يستهان بها في عدن والمناطق المحررة من قبضة الميليشيا الانقلابية.
وتتهم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بسوء إدارة المحافظات المحررة، ووفق مصادر مقربة من المقاومة الشعبية، فإن عدم صرف الحكومة المستحقات المالية لعناصر المقاومة وعدم ترتيب أوضاعهم يصبان في مصلحة الجماعات الدينية المتشددة التي تجد في معاناة الشباب بابا للتجنيد والاستقطاب.
وتشي المعلومات الرسمية بأن مرحلة ما بعد الحرب ستصب أيضاً في مصلحة الجماعات الدينية المتطرفة ما لم تحدث معجزة اقتصادية. وتوقع تقرير صادر عن وزارة التنمية والتخطيط الدولي خسارة كبيرة تصيب قطاع التعليم في شكل ينسف الجهود التي تحققت خلال العقود الماضية.
وتوقع التقرير الذي جاء بعنوان «تداعيات الأزمة الراهنة على التعليم العام في اليمن»، تقلص الإنفاق الحكومي على التعليم وضعف قدرة كثير من الأسر على تعليم أبنائها وتدني معدلات الالتحاق بالتعليم واتساع فجوة النوع الاجتماعي بسبب تراجع أولوية تعليم البنات, مشيراً إلى أنه حتى في حال وجود تسوية سياسية فإن العودة الى الوضع الذي كان عليه التعليم قبل الأزمة سيحتاج إلى سنوات، ما يعني ابتعاد اليمن أكثر فأكثر من أهداف التنمية الألفية 2015.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.