تتنوع وسائل التعبير التي يعبر بها الإنسان عن ذاته وأحاسيسه ومشاعره وأفكاره وآماله وأحلامه وطموحاته وعادته وتقاليده. فالفن عموماً والفنون الشعبية خصوصاً، مرآة تعكس حال المجتمع وظروف شعبه، فهي صورة صادقة وأمينة. فإذا أردت التعرف إلى مجتمع، فانظر إلى فنونه. اندثر اليوم كثير من الفنون الشعبية بسبب عدم الاهتمام من قبل ممارسيها من الفنانين وعدم رعاية الجهات المسؤولة للفرق الشعبية. ومن الفرق الشعبية التي تقاوم الظروف الصعبة من أجل البقاء وحب صاحبتها «الفرقة الشعبية النسائية» في قطر. من هذا المنطلق فإن الفنانة فاطمة شداد مؤسسة ورئيسة الفرقة تعد خير مثال على الفنان المهموم بحمل التراث الشعبي من موسيقى ورقص وغناء، وحمايته من الاندثار. فمن خلال ما تقوم به من جهود بمساعدة الجهات المعنية في الدولة، استطاعت حفظ الموروث الشعبي القطري وتقديمه للجمهور من خلال فعاليات دورية في سوق واقف وسط الدوحة. حيث ترى شداد أن لها خطاً مرسوماً من قبل القدر تسير عليه، ففي بعض الأحيان تحدث أشياء تستغرب لها في ما يتعلق بالأعمال الفنية، وطبيعة العلاقة بين الفنان والمجتمع. وأشارت شداد إلى أن حملها للتراث في قلبها ليس بالأمر السهل، موضحة أنها لم تكن تحارب أناساً لحماية هذه الفنون من الاندثار، ولكنها واجهت أثناء سيرها في هذا الطريق حروباً واستهدافاً ومحاولات تحطيم، لا تعرف سببها، من قبل أناس اعتبرتهم مرضى، لأن الحسد والغيرة مرض. وتضيف بصوت يعتصره الألم: «الطقاقات راحوا» الفرق الشعبية المستقلة والخاصة ظهرت لفترة من الزمن وانتهت، لأسباب عدة ناقشناها وتحدثنا عنها ولكن لا حياة لمن ينادي، وأنا اليوم أعمل وأبحث في هذا التراث وأضيف وأقوم بعمل أرشيف ضخم للفنون الشعبية نتيجة لاحتضاني من قبل الجهات المسؤولة عن سوق واقف التي بذلت جهداً لإحياء الألوان الموسيقية التي لم تتركها للاندثار مثل فنون الطنبورة والليوة والهبان، ولكن أين الآخرون». وعن سبب اختفاء الفرق الشعبية أرجعت ذلك أولاً إلى الذوق العام الذي تغير، «حيث أصبحنا نستورد الفرق المعلبة من الخارج، بعد أن كانت ليلة الزواج عبارة عن ليلة موسيقية تراثية قطرية بحته، حيث تأتي الفرقة الشعبية القطرية وتقوم بكل ما يلزم لإحياء هذه الليلة من تقديم الأغاني الشعبية والرقصات التي يقوم بها أفراد الفرقة أو المدعوون في أماكن مغلقة داخل البيوت، حيث أنه لم تكن هناك فنادق». تعدد المناسبات وتوضح: «أيضاً مناسبات مثل «دق الحب» أي حب القمح والذي كانت تقام قبل دخول رمضان استعداداً لاستقبال شهر الصوم، وكانت الفرق الشعبية القديمة التي كانت موجودة قبل أن أولد- تعني بغناء الأهازيج الشعبية، وكانت الفرقة تغني وتعمل في طحن القمح، فكانت عبارة عن لوحة عمل تراثية، أيضاً مناسبات مثل استقبال مولود جديد أو ليلة الختان أو الاحتفال بسير الطفل حيث دائماً ما كان يلجأ الأهالي للفرق الشعبية في المناسبات المختلفة، وللأسف اليوم هذه المناسبات أصبحت تستعين بال»دي جي» ودخلت آلات الأورغ والدرامز إلى مجتمعنا». وتقول: «أما السبب الثاني فيتمثل في عدم مساندة الفرق الشعبية والاهتمام بها، والبحث عن أعضائها، والبحث في ما ينقصها والمشاكل التي تواجهها، وقد مررت بفترة كان هذا الشيء موجوداً، فقبل 15 عاماً كانت الجهات الرسمية القائمة على أمور الثقافة والفنون يأتون إلى الفرق لمعرفة ما ينقصها وكانت تدفع لها دعماً سنوياً يساعدها على الاستمرارية، لا أعرف أين ذهب ذلك. أما اليوم فلم يعد هناك مردود لإقامة فرقة شعبية لأنه ليس هناك طلب». وتؤكد شداد أن هذه الفنون بعضها نشأ من هنا والبعض الآخر جاء من الخارج، فمثلاً فن «الفجيري» أو الفن البحري نبع من المعاناة والألم لدى البحارة الباحثين عن اللؤلؤ، المتمثل في الابتعاد عن الأهل والاشتياق إلى الوطن، ومتى سيعودون وهل سيرونهم أم لا. ومن هنا جاء فن «النهمة» أو الموال البحري، وهو فن خلق نفسه بنفسه والحاجة خلقته. وذاك ينطبق على فن «الخماري» وهي كلمة جاءت من الخمار الذي يلبس من قبل المرأة، وخلال ممارسة هذه الرقصة تضع المرأة هذا اللباس على الوجه أثناء الرقص، وفن «السامري» جاء من كلمة السمر حيث يسمر الناس، وهو فن كان يقدم من قبل الرجال أولاً، ومن ثم أخذت النساء هذه الفنون من الرجال. الحفاظ على التراث وتضيف الفنانة الشعبية: «عندما سألت الراحلة أسماء الحارب التي كانت أستاذتنا وقدوتنا من أين تأتون بهذه الأغاني قالت إن والدتها كانت فنانة وشاعرة تقول الشعر وتلحنه وتغنية، أرجعت تلك الفنون إلى ما كانت النسوة يسمعن من الرجال ومن خلفها يرددها النساء، فهناك قسم نقدمه نحن وقسم آخر نسمعه من الرجال». وتستطرد: «للأسف معظم هذه الفنون لم تعد موجودة، وأنا حاولت أن أعيدها من خلال تقديمها في شكل أسبوعي في سوق واقف. ونحاول بقدر ما نستطيع المحافظة عليها سواء كفرقة أو من خلال صوت الريان. لأنها هويتنا وكياننا وليست مجرد غناء». هناك فنون مثل «الدَزّة» والتي تعني باللغة المحلية الدفع، وهي من الفنون التي نبعت من الحاجة فهو الفن الذي يقدم خلال وأثناء عملية نقل هدايا العريس إلى العروس ويقدم قبل ليلة الدخلة، وهناك أيضاً فن «العاشوري» الذي يقال دائماً للعريس وخلفه لأنه فن بطيء يصاحب العريس في رحلته إلى بيت العروس. وعادة ينبه ذلك الفرقة النسائية داخل البيت قدوم العريس ليستلموه، ويستمر الرجال في الخارج بتقديم «العاشوري». في حين أن فن «لمراداه» والذي جاءت تسميته بسبب أن هناك صفين من المغنيين أمام بعض، الأول يقول والثاني (يرد) وهو فن لا تستخدم فيه آلات موسيقية ولا إيقاعية ولكنه يعتمد في شكل أساسي على أصوات البنات والشعر، وغالباً ما يكون الكلام فيه عن مدح الوطن، وشيوخ البلد، وهو فن يزدهر في أثناء الأعياد من قبل البنات قبل سن الزواج. وهناك فنون تمتاز بها دولة قطر مثل «الخماري» القطري الذي نبع من هذا المكان، وهو فن إحساسه قطري تميزه إيقاعاته وألحانه التي لا توجد في المناطق الأخرى من دول الخليج. وأيضاً فن «السامري» النسائي المميز في قطر والذي لا تسمعه في دول خليجية أخرى، ولكن قد تجد الكلام متشابهاً ولكن تختلف اللهجة أو اللكنة قليلاً وطريقة الغناء. أما الفنون الوافدة فجاءت من أفريقيا ومن عرب فارس مثل فن «الهبان» وهي تسمية لا أعرف إن كانت عربية أم لا، وقد أتى إلينا من بلاد فارس بكل خصائصه وهو فن صحراوي يعتمد على القربة.