انطلاق "موسم شتاء درب زبيدة 2025" في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    الأخضر يختتم تحضيراته لمواجهة ساحل العاج الودية    المنتخبان العراقي والإماراتي يتعادلان ويؤجلان الحسم إلى «موقعة البصرة»    الأمير خالد الفيصل يكتب التاريخ ويفوز بلقب الروّاد في البطولة العربية للجولف بالرياض    المدير الرياضي في الأهلي: غياب توني لأسباب فنية    القبض على (3) يمنيين لتهريبهم (60) كجم "قات" في عسير    برعاية أمير جازان.. ورشة تنفيذية للصحة تستعرض مشروعات 2026    الاتحاد الدولي للصحافة يعتمد كتاب صحافي سعودي كمنهج لتدريب الصحافيين الاقتصاديين    وفد سعودي يشارك في تمرين إيطالي لمحاكاة مخاطر البراكين ويبحث تعزيز التعاون في الحماية المدنية    الذهب يتجاوز 4200 دولار وسط مخاوف الديون الأمريكية وخفض "الفائدة"    تجمع الرياض الصحي الأول يحتفي باليوم العالمي للجودة ويستعرض منجزاته في تحسين الرعاية وسلامة المرضى    اليماحي يثمن الدور الرائد لدول الخليج في تعزيز مسيرة العمل العربي المشترك والدفاع عن القضايا العربية    مدة غياب بونو وكوليبالي عن الهلال    سوق الموسم ينطلق من منطقة الطوالع التاريخية ب "النجناج"    وزارة الداخلية تحصل على جائزة أفضل جناح وتفاعل ومشاركة في مؤتمر ومعرض الحج 2025    هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من يوم غدٍ الجمعة حتى الاثنين المقبل    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    روبيرتو مانشيني مدربًا لنادي السد القطري    خوارزميات الإنسان    مفتي عام المملكة يستقبل وزير العدل    خبراء: السجائر الإلكترونية تقوض حقوق الأطفال الإنسانية    توازن كيميائي يقود إلى الرفاه الإنساني    غرفة القصيم توقع تفاهمًا مع الحياة الفطرية    منسوبو وطلاب مدارس تعليم جازان يؤدّون صلاة الاستسقاء    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    نجاح فصل التوأم الملتصق الجامايكي «أزاريا وأزورا» بالرياض    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    التضخم في السعودية يبلغ 2.2% في شهر أكتوبر 2025    أمير القصيم يؤدي مع جموع المصلين صلاة الاستسقاء في جامع الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز ببريدة    تقني الشرقية تختتم "راتك 2025"    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    مصرية حامل ب9 أجنة    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    أمانة نجران تطلق حملة موسم التشجير لعام 1447    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    ذاكرة الحرمين    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    السعودية تقود اعتماد أول مواصفة عالمية للتمور    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    النويحل يحتفل بزواج عمر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعقوب إسحاق: أُسيءَ استخدام مصطلح الشهادة في سبيل الله «إسلامياً » لأسباب سياسية
نشر في الحياة يوم 09 - 02 - 2010

تتجلى جوانب شخصية الباحث في الفكر الإسلامي، يعقوب محمد إسحاق في شفافيته ووضوحه في الطرح، وقدرته على استنبات القضايا الشائكة والجارحة محاولاً درس الظواهر، واستقصاء الأسبابومعالجة الآثار الناجمة عن الإشكالات المعاصرة، وإبداء وجهة نظره من دون وجل، خرج من اهتمامه بالطفولة وبرامجها بعد أن رسّخ اسم «بابا يعقوب» عند أجيال تجاوزت مراحلها، وثبّت بصمته في الثقافة والأدب من خلال نشر كتب عدة تربي الشباب على حب القراءة والتعلق بالثقافة، وتدرج إلى أن غدت القضايا الكبرى ومحطات الإصلاح في مقدم اهتماماته، ولذا أخرج كتباً قيمة، فيها من روح المفكر، وخبرة المجرّب، وطموح المنظّر، وجدية المواطن المنتمي، علماً بأن حياته المادية متوقفة على راتب متواضع، يجود به عليه الضمان الاجتماعي، وهنا رصدنا المشوار وإليكم نص الحوار:
ما أبرز المحطات الرئيسية في حياتك؟
- مررتُ في حياتي بخمس محطات رئيسية، بدأت بعملي معلماً للغة العربية لأربعة أعوام، ثم عملي مراقباً إدارياً ومحققاً في هيئة الرقابة والتحقيق، ثم عملت رئيساً لتحرير مجلة حسن للأطفال التي صدرت عن مؤسسة «عكاظ» للصحافة والنشر، وخلالها تعلمت أسرار الكتابة للأطفال.
ثم عملت متعاوناً مع «تهامة» للنشر والمكتبات في عصرها الذهبي إبان كان المستشار محمد سعيد طيب رئيساً لها، إذ كتبت أثناءها أهم أعمالي للأطفال، ثم مرحلة استخراج رخصة للنشر بعد توقف «تهامة»، إذ ألّفت ونشرت عشرات الكتب الثقافية والتعليمية للأطفال في أعمارهم المختلفة، والمحطة الخامسة والحالية منذ عشرة أعوام استغرقت بها في قراءة كتب السياسة الشرعية ونشرت أهم أعمالي الفكرية.
ما أهم المحطات ولماذا؟
- كانت المحطة الثانية أهم المراحل، وهي عملي مراقباً إدارياً ومحققاً في هيئة الرقابة، إذ خلالها تنبهت إلى أن القانون جزء أساسي في العمل الإداري، ومرجع للجهات الرقابية عند اللجوء إلى المحاسبة، وأنه سند للموظف المتهم بارتكاب مخالفات إدارية أو مالية.
ما أثر القانون في من يقوم على تطبيقه من خلال تجربتك؟
- كان القانون قيداً ذهبياً في يدي، وجداراً عازلاً يحد بين مشاعري الذاتية وبين ارتكاب الأخطاء والمظالم والتجاوزات في حق المتهمين الخاضعين للتحقيق.
هل تشعر بالرضا عما أنجزتَه في تلك المحطات؟
- أفتخر بأنني أسهمت في بناء جيل جديد تربوياً، كوني كتبت للأطفال نحو 300 كتاب، إضافة إلى تأليف ونشر بعض الكتب المهمة في موضوع الإسلام السياسي.
ماذا عن المردود المادي لمثل هذه الأعمال؟
- كنت وما زلت متمسكاً بالمثاليات، وأرى أن توجه المثقف لخدمة وطنه، وحرصه على تقدمه وتصدر الطليعة وعياً وثقافةً أهم من كل المكاسب وإن لزم الأمر أن يكون في عداد الفقراء، وللعلم فإني أتقاضى مبلغاً زهيداً لا يصل إلى 1500 ريال، (وتحديداً 1264ريالاً) راتباً شهرياً من الضمان الاجتماعي، ولله الحمد والمنة أولاً وآخراً.
«غطِّي وجهَك يا حرمة»
ما دافعك إلى عنونة كتابك الأخير ب «غطِّي وجهَك يا حرمة»؟
- هذا الكتاب الصادر عن دار «بيان» اللبنانية، محاولة لهدم الجدار الذي بناه بعض الغلاة في الدين بين الرجل والمرأة، استناداً إلى نظرية سد الذرائع وهي قاعدة فقهية ابتدعها بعض الفقهاء للتضييق على الناس وتحريم المباح، فوقع الإرهاق والإعنات والمشقة من أمور هي فروع في الشريعة السمحة.
ألا ترى أن دافعهم غيرتهم على الأعراض؟
- لا أظن أنها الغيرة، لأني أذكر أن أحد الدعاة من تيار الصحوة اتهم المرأة في مؤتمر الحوار الوطني في المدينة المنورة بأنها فاسدة مفسدة، وهذا جهل بحق المرأة التي هي أمي واحترامها يوازي احترامي لأبي، وهي الأخت والخالة والعمة، والزوجة وأم الأولاد المحترمة والمستحقة للاحترام.
والنصوص الشرعية لم تفرق بين الجنسين إلا في نطاق ضيق، إذ يقول تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وفي الحديث: «الجنة تحت أقدام الأمهات»... فكيف يسوغ لمسلم مؤمن بالله ورسوله أن يصف المرأة بالفساد والإفساد.
أين تقف من اللغط الدائر اليوم بين تيارات، تتجادل حول مفهوم الاختلاط وحكمه؟
- هناك توجه حميد نحو الخروج من دائرة التراجع الفكري الذي نعيشه منذ 30 عاماً، بعد أن أطفأ تيار الصحوة الأنوار وعطّل المحركات لكل المشاريع العلمية والإبداعية، وأدخلنا في أنفاق ظلامها دامس، وله أهدافه السياسية والمسيّسة.
ولعل البعض استوعب عملية الخلط التي يمارسها التيار باسم الدين، ومنها الخلط بين الجهاد والقتال، والخلط بين الحجاب والنقاب، والخلط بين الخلوة والاختلاط.
هل يمكن فك الخلْط بين الخلوة والاختلاط؟
- نعم، فالخلوة تعني اجتماع رجل وامرأة في مكان سري ومغلق لا يراهما ولا يدخل عليهما فيه أحد، والاختلاط لقاء رجل بامرأة في مكان عام مفتوح دون اختلاء بل أمام أعين الآخرين في شارع أو مكتب أو مقهى أو مطعم أو سيارة أو في سوق تجارية للحديث عن عمل أو مصالح مشتركة أو التخطيط للزواج.
وهذا أحد أخطاء تيار الصحوة بسبب الخلط بين المفاهيم والمصطلحات وعجزه عن تحريرها تحت مظلة سد الذرائع والأعراف القبلية التي تجاوزها الإسلام.
هل ترى أنه يمكن تجاوز النصوص لتحقيق المباحات؟
- المحرمات في الإسلام معدودة، ولا يحق لأحد من البشر أن يحلل أو يحرّم شيئاً من عنده، لقوله عليه السلام: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو مباح فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً» رواه الترمذي.
وحديث الخلوة «ما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما» حديث خبري بأن الشيطان يتسلل إلى خلوة الرجل بالمرأة وليس فيه أمر ولا نهي، ولم يحدد عقوبة للخلوة وإنما توحي صيغة الحديث بالتحذير فقط.
كيف يمكن تجاوز النصوص المحذرة من الخلوة؟
- محذرة نعم، لكن لم يرد تحريم صريح للخلوة، فتحريم الخلوة في الفكر الديني جاء عن طريق نظرية سد الذرائع الفقهية التي تعني سد الطرق المفضية إلى الحرام، ولها شواهد منها أن زراعة العنب قد تؤدي إلى صناعة الخمر، والسكين تستخدم لذبح الأبرياء، والسلطة طريق إلى الظلم والاستبداد، والسفر لبلاد أجنبية مدعاة للارتداد عن الإسلام.
والإنترنت موصل للمواقع الإباحية، والخلوة سبيل إلى الزنا، وبناء على تلك الاحتمالات نحرّم الأشياء السابقة كالعنب والسكين والخلوة لاحتمال وقوع المفسدة، بينما الأحكام الشرعية لا تُبنَى على قاعدة الظنون والاحتمالات، إلا أن الغلاة نجحوا في توظيف سد الذرائع لتحقيق بعض الأهداف الخفية وتحريم المباحات، علماً بأن النصوص جميعها تؤكد أن المجتمع مختلط والاختلاط مباح بل هو لازم من لوازم الطواف والسعي والحج والصلاة والأسواق والمشافي.
العيسى والغامدي
كيف قرأت مقالة وزير العدل الدكتور محمد العيسى، وحوار أحمد قاسم الغامدي عن الاختلاط؟
- ما نشر من مقالة وزير العدل، ورئيس هيئة مكة يؤكد ما سبق وذهبت إليه في بعض كتبي من أن الاختلاط مباح شرعاً، وهذه الاعترافات من رموز المؤسسة الدينية تعد سابقة في إعلان جواز الاختلاط بين الرجل والمرأة، وهي في حال الحشمة والعفة وعلى رؤوس الأشهاد.
وأتطلع إلى قيام المؤسسة الدينية بدورها المناط بها، ولا سيما وزارة العدل، فالأخذ في المحاكم بالقول المجوز للاختلاط سيحد من الأحكام التعزيرية بحق المتهمين بالاختلاء بينما هم في حال اختلاط مباحة شرعاً وعقلاً، وانتهز هذه الفرصة لأدعو رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تأمل ما ورد عن الوزير العيسى ورئيس هيئة مكة الغامدي، وإقرار قولهما وتعميمه على موظفي الهيئات، وإصدار نظام يمنع ضبط حالات الاختلاط والتوقف عن اتهام الناس بالخلوة.
فما ظهر من حق لا يبرر التمادي والتعسف والإصرار على الأخذ بالمرجوح في ظل وجود الراجح من أقوال أهل العلم المعتبرين.
لك قراءة في فقه القضاء... بماذا خرجت منها؟
- الهدف من القضاء تحقيق العدالة بين الناس، وإحقاق الحق بين الحاكم والمحكوم، والقضاء بالحق ينصف المظلوم من الظالم، وينهي المنازعات، وفي الحديث الشريف «القضاة ثلاثة، اثنان في النار، وواحد في الجنة».
فالقاضي العالم بالحق والحاكم به في الجنة، والقاضيان بجهل أو بتجاهل للحق في النار، وهذا الحديث يذكرني بموقف أبي حنيفة حين رفض دعوة الخليفة لتولي القضاء، ليقينه وعلمه بما أصاب المسلمين من ظلم بني أمية.
وقال: «لو أرادني أن أعدّ له أبواب مسجد واسط لما فعلت، فكيف وهو يريد أن يكتب بإهدار دم رجل يرغب في ضرب عنقه بالسيف وأختم له على ذلك فو الله لا أدخل في ذلك أبداً» على رغم كل الأذى الذي لحقه إلا أنه أصرّ على موقفه حتى أعفاه الخليفة وأطلق سراحه.
فالقضاء منصب شريف وخطير لمن قوي عليه وفي الأثر «من ولي القضاء فقد ذُبِح بغير سكين» وفي قراءتي سجّلت الكثير من التحفظ على تصرفات القضاة وأحكامهم.
كيف ترى ما تم إنجازه من مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإصلاح القضاء؟
- عُرِف عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنه ملك الإصلاح، وكان وما زال يعمل على إصلاح كل ما يلزم إصلاحه، فهو يحس بنبض الشارع، ويسعى لتحقيق العدالة، والمساواة، والحرية لكل مواطن.
وما توجيهه ومصادقته على النظام القضائي الجديد وديوان المظالم، وإقامة المحاكم المتخصصة إلا تأكيد على وجهته وتوجهه نحو الإصلاح للمرافق كافة.
وأعتقد بأن وجود رجلين بحجم الشيخ صالح بن حميد والدكتور محمد العيسى على رأس الجهاز القضائي سيسرّع من التطوير، ويسهم في انتشال القضاء من حالات الحرج التي يمر بها.
مثل ماذا حالات الحرج؟
- بعض الأحكام المثيرة للجدل، والقسوة والغرائبية والتناقضات في بعض الأحكام التعزيرية، ومنها تطويل مدة السجن والمبالغة في عدد الجلد، ومنها معاقبة مريض نفسي بالسجن والجلد، لأنه حاول الانتحار، بدلاً من تحويله إلى متخصص لعلاجه من أزمته وتخفيف مأساته.
ومنها التفريق بين الأزواج، مراعاة لأعراف وعادات قبلية، والحكم بالجلد والسجن على فتاة تعرضت للاغتصاب، والقضاة بحاجة إلى التقنين وأخذ روح النص في الاعتبار.
هل خرجت من خلال كتابك «الإرهاب تحت مظلة الجهاد» بحصر لأسباب الإرهاب، وضبط إشكالية الإرهابيين مع المجتمع؟
- الإرهاب موضوع معقّد وشائك، وحاولت الإسهام في إخماد فتنته، كوني مواطناً يستشعر خطره على الوطن والقيادة، ويمكن أن ينال من وحدة الوطن، وأحد أهم أسبابه الغلو في الدين، وتنظيرات تيار الصحوة الطامح لأهداف سياسية خبيثة ومكشوفة.
ومع الأسف أن التنظير وجد مناخاً وفضاءً مريحاً في المساجد والمدارس والمناهج.
ما أبرز مظاهر الغلو في مجتمعنا؟
- التشدد الديني، هو الأب الحقيقي للإرهاب، فالتشدد يجعل من صاحبه مزدرياً للآخرين، وهو ما يدفعه إلى احتقارهم، وتفسيقهم، وتبديعهم، ووصفهم بالزندقة والتكفير، والتشدد في أولى مراحل نموه يتمثل في عاطفة دينية، وبقدر مواقفه المتأزمة من المجتمع بقدر ما يتشكّل ويتحول من القول إلى الفعل واستخدام السلاح لفرض مفاهيمه الدينية الفجّة على الآخرين.
ومن مظاهر الغلو تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء، والعمل بنظرية سد الذرائع في مجالات الحياة كافة، ومطالبة المرأة بتغطية وجهها، والخلط عمداً بين المفاهيم الدينية.
قلتَ الخلط بين المفاهيم... ما الفرق بين الجهاد والقتال من وجهة نظرك؟
- لا تمتُّ كلمة الجهاد بأي صلة شرعية إلى القتال وإزهاق الأرواح، ولذلك يحسن بنا أن نعود إلى مفردة «جهاد» من الناحية اللغوية، لنجد أن الجهاد في سبيل الله يعني بذل الوسع من أجل خدمة الإسلام، ووردت كلمة جهد ومشتقاتها في القرآن الكريم 46 مرة، ولم أجد فيها إشارة أو تلميح إلى أن الجهاد هو القتال أو الحرب، بل خرجت بقناعة أن الجهاد تعني بذل الجهد والاجتهاد في العمل لإنجازه على أكمل وجه وأجمل صورة.
ولا أدري كيف تحول مفهوم الجهاد من التعب والمشقة وبذل المجهود لنشر الدعوة الإسلامية بالوسائل السلمية إلى القتال، وتحميل مفردة الجهاد ما لا تحتمل من معاني القتل والتفجير والتدمير، وآيات تحريم القتل في كتاب الله صريحة في مواضع عدة.
ألا توجد في الشريعة نصوص داعية إلى قتال الآخر ومنازلته؟
- القتال المشروع هو القتال في سبيل الله والحق، ويتمثل في القتال دفاعاً عن الدين والوطن، وهو قتال يخضع لشروط عدة وردت في النص القرآني، منها: «وإن قاتلوكم فاقتلوهم»، «قاتلوا الذين يقاتلونكم» «أخرجوهم من حيث أخرجوكم» «ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم».
العلاقة مع الآخر
كيف يمكن تجاوز حال العداء مع الآخر؟
- العداء فهم بشري قاصر، فالقرآن الكريم باعتباره المرجع لجميع المسلمين نهى عن العداء، «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم»، «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره» فالنصوص لا تكتفي بإباحة التعامل وإنما تطلب منا أن نبر بهم ونعدل معهم.
إضافة إلى دعوة الشرع إلى حسن التعامل مع الآخرين وعدم جواز ابتدائهم بالشر بل ولهم حق الحماية باعتبارها من مكارم الأخلاق.
أين تضع مفردة «شهيد» من خلال فهمك للنصوص؟
- أزعم أنه أسيء فهم واستخدام مصطلح الشهادة في سبيل الله في معظم مراحل التاريخ الإسلامي لأسباب سياسية، وعلى رغم تكرر المفردة 82 مرة في القرآن الكريم لا توجد آية واحدة تشير إلى أن الشهيد هو قتيل المعركة، وكلمة الشهادة جاءت لثلاثة معانٍ مختلفة، الحضور الواعي، والاعتراف.
وبمعنى الأمرين معاً حضوراً واعترافاً، فالشهادة لا تعني الموت في سبيل الله قتيلاً، فالشاهد من عاين أمراً، والشهيد تعني الشخص الذي شوهد في مكان معين ليقوم بعمل أو يقع عليه عمل.
هل تكامل دور المفكرين والكتاب مع أدوار الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب؟
- لقد قامت وزارة الداخلية بقيادة الأمير نايف بن عبدالعزيز بدور تاريخي لحماية الوطن والمواطنين من الإرهاب، إلا أن محاربة الإرهاب تحتاج إلى شراكة بين الدولة وبين المواطنين، ومن الطبيعي أن يكون المفكرون والمثقفون في طليعة المتصدين للفكر الإرهابي الضال، والبحث عن مصادره، ومنابعه.
وهذا الأمر بحاجة إلى استراتيجية وطنية وعمل فكري وبحثي شاق وطويل، كون جذور الإرهاب مدفونة في عقول المنحرفين فكرياً، ولا سيما عند من يؤمنون بالتشدد في الدين، وهم منتشرون في كل المؤسسات الدينية والمدارس والبيوت بعد أن تمت برمجة عقولهم بالفكر التديني المتطرف لمدة تجاوزت ثلاثة عقود متتابعة.
فتكونت أجيال تراها وادعة ظاهرياً إلا أن فتح باب النقاش معها يكشف لنا بأنهم من ضحايا التشدد ورموزه في تيار الصحوة فتحزن عليهم وتتمنى إصلاحهم إلا أن ذلك غير ممكن عملياً، فهم أشبه بالشجر الذي نما معوجاً حتى صار ضخماً وعملاقاً يصعب تحويله إلى أعواد مستقيمة.
والمؤمل أن نتبنى أعمالاً جادة ومشاريع جديدة لخلق أجيال متصالحة مع نفسها ومتسامحة مع ذواتها وتؤمن بمبادئ الحوار وتنبذ العنف، وتتحمل المؤسسات التربوية والمنزلية والإعلامية الشق الأكبر من المسؤولية.
إلام ترجع تحفظك على إحالة فسح بعض الكتب على وزارة الداخلية؟
- في نظري أن وزارة الثقافة والإعلام تتعسف في هذا الإجراء، وتفرض وصاية على المثقفين والمفكرين والكُتّاب الذين يطمحون إلى الإسهام في معالجة إشكالية الإرهاب وغيره من المواضيع المتعلقة بالفكر الديني.
ولا ريب في أن لكل مواطن مخلص وقادر على الكتابة وجهةَ نظر في تناول، أسباب ظاهرة الإرهاب وطرق معالجتها، والمؤمل من وزارة الثقافة إتاحة الفرصة لكل مؤلف لينقل رأيه، بكل صراحة ومن دون مجاملة مع احترام الثوابت، وتعدد الآراء يثري البحث في جذور المشكلة ويسهم مع المعنيين في حلها.
ومن غير المنطقي تهميش بعض الرؤى والأفكار لأن الحكمة ضالة المؤمن وأحياناً تؤخذ من أفواه المجانين.
إلى أي مدى انكمش خطر الإرهاب محلياً؟
- لم ينكمش، بل هو في ازدياد حتى لو أنه لم ينجح في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، كون وزارة الداخلية تقف له بالمرصاد، إلا أن الإرهاب اليوم أحاط بنا من كل جانب، فهو موجود غربنا في الصومال، وجنوبنا في اليمن، وشمالنا في العراق.
ولا يجوز بحال من الأحوال أن نقف متفرجين على العمليات الإرهابية التي ما تزال حرائقها مشتعلة في أفغانستان وباكستان بدعوى أنها بعيدة عنا وعن بلادنا.
فالفكر يتسلل ويقتحم البلاد على حين غِرّة وفي أي وقت مثل ما تغزونا الأوبئة والأمراض المعدية. من هنا يتوجب علينا أخذ الحيطة والحذر والعمل على حماية الوطن والمواطنين.
هل يعني هذا حتمية مساعدتنا لدول الجوار ومنها اليمن للقضاء على الإرهاب؟
- من دون شك، وبكل تأكيد فجغرافية اليمن تساعد الإرهابيين على التسلل والتخفي، وهذا ما يعرقل محاربتهم هناك، ونعلم أن التضاريس الوعرة في اليمن، أسهمت في تشكيل خلايا عدة، وتدريبها على إلحاق الضرر بنا من خلال خبراء في العمليات الانتحارية.
وشواهد تسللهم واعتداءاتهم على رجال الأمن ملحوظة، والفكر الضال يمكن أن يراوغ ويتمارض لكنه لا يموت، وقابل للتفريخ.
بصفتك أحد المهتمين بالإعلام... ما الذي يلفت نظرك منه اليوم؟
- لعل البرامج الحوارية في بعض القنوات الفضائية أبرز ما يستحوذ على إعجابي، وتأسرني لمتابعتها، ولا سيما تلك التي تعالج الشؤون الداخلية في السعودية.
كما أحرص على متابعة الشأن السياسي، وحوارات القنوات الجادة التي تتناول بمهنية واحترافية السياسة العالمية ومدى تأثيرها في الدول بشكل من الأشكال، ونحن منها بالطبع.
وما أبرز سلبيات الفضاء والشبكة العنكبوتية؟
- من أبرز السلبيات إفساد أخلاق الشباب من خلال قنوات إباحية، لا هم لها سوى ترويج الجنس واصطياد شبابنا وإلهائهم بسمومها.
وهناك قنوات تتاجر بالدين مع الأسف، وقنوات تنشر الدجل والخرافات بين العوام، وقنوات معنية ببث منهجية الغلو بين الناشئة.
ومنها قنوات فضائية سعودية خاصة ترعى مفاهيم تدينية متشددة وتتبنى أصوات دعاة التطرف محاولة استثارة عواطف الناس وتجييشها ضد الدولة من خلال طرح قضايا مختلف عليها، وصبْغها بالمسلمات وتصنيفها في خانة الثوابت أو المعلوم من الدين بالضرورة.
وهذه قنوات مكشوفة وأهدافها البعيدة جلية للمسؤولين وللواعين من المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.