«المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    الحج تحذر: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    ضمك يتعادل مع الفيحاء إيجابياً في دوري روشن    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    حراك شامل    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعقوب إسحاق: أُسيءَ استخدام مصطلح الشهادة في سبيل الله «إسلامياً » لأسباب سياسية
نشر في الحياة يوم 09 - 02 - 2010

تتجلى جوانب شخصية الباحث في الفكر الإسلامي، يعقوب محمد إسحاق في شفافيته ووضوحه في الطرح، وقدرته على استنبات القضايا الشائكة والجارحة محاولاً درس الظواهر، واستقصاء الأسبابومعالجة الآثار الناجمة عن الإشكالات المعاصرة، وإبداء وجهة نظره من دون وجل، خرج من اهتمامه بالطفولة وبرامجها بعد أن رسّخ اسم «بابا يعقوب» عند أجيال تجاوزت مراحلها، وثبّت بصمته في الثقافة والأدب من خلال نشر كتب عدة تربي الشباب على حب القراءة والتعلق بالثقافة، وتدرج إلى أن غدت القضايا الكبرى ومحطات الإصلاح في مقدم اهتماماته، ولذا أخرج كتباً قيمة، فيها من روح المفكر، وخبرة المجرّب، وطموح المنظّر، وجدية المواطن المنتمي، علماً بأن حياته المادية متوقفة على راتب متواضع، يجود به عليه الضمان الاجتماعي، وهنا رصدنا المشوار وإليكم نص الحوار:
ما أبرز المحطات الرئيسية في حياتك؟
- مررتُ في حياتي بخمس محطات رئيسية، بدأت بعملي معلماً للغة العربية لأربعة أعوام، ثم عملي مراقباً إدارياً ومحققاً في هيئة الرقابة والتحقيق، ثم عملت رئيساً لتحرير مجلة حسن للأطفال التي صدرت عن مؤسسة «عكاظ» للصحافة والنشر، وخلالها تعلمت أسرار الكتابة للأطفال.
ثم عملت متعاوناً مع «تهامة» للنشر والمكتبات في عصرها الذهبي إبان كان المستشار محمد سعيد طيب رئيساً لها، إذ كتبت أثناءها أهم أعمالي للأطفال، ثم مرحلة استخراج رخصة للنشر بعد توقف «تهامة»، إذ ألّفت ونشرت عشرات الكتب الثقافية والتعليمية للأطفال في أعمارهم المختلفة، والمحطة الخامسة والحالية منذ عشرة أعوام استغرقت بها في قراءة كتب السياسة الشرعية ونشرت أهم أعمالي الفكرية.
ما أهم المحطات ولماذا؟
- كانت المحطة الثانية أهم المراحل، وهي عملي مراقباً إدارياً ومحققاً في هيئة الرقابة، إذ خلالها تنبهت إلى أن القانون جزء أساسي في العمل الإداري، ومرجع للجهات الرقابية عند اللجوء إلى المحاسبة، وأنه سند للموظف المتهم بارتكاب مخالفات إدارية أو مالية.
ما أثر القانون في من يقوم على تطبيقه من خلال تجربتك؟
- كان القانون قيداً ذهبياً في يدي، وجداراً عازلاً يحد بين مشاعري الذاتية وبين ارتكاب الأخطاء والمظالم والتجاوزات في حق المتهمين الخاضعين للتحقيق.
هل تشعر بالرضا عما أنجزتَه في تلك المحطات؟
- أفتخر بأنني أسهمت في بناء جيل جديد تربوياً، كوني كتبت للأطفال نحو 300 كتاب، إضافة إلى تأليف ونشر بعض الكتب المهمة في موضوع الإسلام السياسي.
ماذا عن المردود المادي لمثل هذه الأعمال؟
- كنت وما زلت متمسكاً بالمثاليات، وأرى أن توجه المثقف لخدمة وطنه، وحرصه على تقدمه وتصدر الطليعة وعياً وثقافةً أهم من كل المكاسب وإن لزم الأمر أن يكون في عداد الفقراء، وللعلم فإني أتقاضى مبلغاً زهيداً لا يصل إلى 1500 ريال، (وتحديداً 1264ريالاً) راتباً شهرياً من الضمان الاجتماعي، ولله الحمد والمنة أولاً وآخراً.
«غطِّي وجهَك يا حرمة»
ما دافعك إلى عنونة كتابك الأخير ب «غطِّي وجهَك يا حرمة»؟
- هذا الكتاب الصادر عن دار «بيان» اللبنانية، محاولة لهدم الجدار الذي بناه بعض الغلاة في الدين بين الرجل والمرأة، استناداً إلى نظرية سد الذرائع وهي قاعدة فقهية ابتدعها بعض الفقهاء للتضييق على الناس وتحريم المباح، فوقع الإرهاق والإعنات والمشقة من أمور هي فروع في الشريعة السمحة.
ألا ترى أن دافعهم غيرتهم على الأعراض؟
- لا أظن أنها الغيرة، لأني أذكر أن أحد الدعاة من تيار الصحوة اتهم المرأة في مؤتمر الحوار الوطني في المدينة المنورة بأنها فاسدة مفسدة، وهذا جهل بحق المرأة التي هي أمي واحترامها يوازي احترامي لأبي، وهي الأخت والخالة والعمة، والزوجة وأم الأولاد المحترمة والمستحقة للاحترام.
والنصوص الشرعية لم تفرق بين الجنسين إلا في نطاق ضيق، إذ يقول تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وفي الحديث: «الجنة تحت أقدام الأمهات»... فكيف يسوغ لمسلم مؤمن بالله ورسوله أن يصف المرأة بالفساد والإفساد.
أين تقف من اللغط الدائر اليوم بين تيارات، تتجادل حول مفهوم الاختلاط وحكمه؟
- هناك توجه حميد نحو الخروج من دائرة التراجع الفكري الذي نعيشه منذ 30 عاماً، بعد أن أطفأ تيار الصحوة الأنوار وعطّل المحركات لكل المشاريع العلمية والإبداعية، وأدخلنا في أنفاق ظلامها دامس، وله أهدافه السياسية والمسيّسة.
ولعل البعض استوعب عملية الخلط التي يمارسها التيار باسم الدين، ومنها الخلط بين الجهاد والقتال، والخلط بين الحجاب والنقاب، والخلط بين الخلوة والاختلاط.
هل يمكن فك الخلْط بين الخلوة والاختلاط؟
- نعم، فالخلوة تعني اجتماع رجل وامرأة في مكان سري ومغلق لا يراهما ولا يدخل عليهما فيه أحد، والاختلاط لقاء رجل بامرأة في مكان عام مفتوح دون اختلاء بل أمام أعين الآخرين في شارع أو مكتب أو مقهى أو مطعم أو سيارة أو في سوق تجارية للحديث عن عمل أو مصالح مشتركة أو التخطيط للزواج.
وهذا أحد أخطاء تيار الصحوة بسبب الخلط بين المفاهيم والمصطلحات وعجزه عن تحريرها تحت مظلة سد الذرائع والأعراف القبلية التي تجاوزها الإسلام.
هل ترى أنه يمكن تجاوز النصوص لتحقيق المباحات؟
- المحرمات في الإسلام معدودة، ولا يحق لأحد من البشر أن يحلل أو يحرّم شيئاً من عنده، لقوله عليه السلام: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو مباح فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً» رواه الترمذي.
وحديث الخلوة «ما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما» حديث خبري بأن الشيطان يتسلل إلى خلوة الرجل بالمرأة وليس فيه أمر ولا نهي، ولم يحدد عقوبة للخلوة وإنما توحي صيغة الحديث بالتحذير فقط.
كيف يمكن تجاوز النصوص المحذرة من الخلوة؟
- محذرة نعم، لكن لم يرد تحريم صريح للخلوة، فتحريم الخلوة في الفكر الديني جاء عن طريق نظرية سد الذرائع الفقهية التي تعني سد الطرق المفضية إلى الحرام، ولها شواهد منها أن زراعة العنب قد تؤدي إلى صناعة الخمر، والسكين تستخدم لذبح الأبرياء، والسلطة طريق إلى الظلم والاستبداد، والسفر لبلاد أجنبية مدعاة للارتداد عن الإسلام.
والإنترنت موصل للمواقع الإباحية، والخلوة سبيل إلى الزنا، وبناء على تلك الاحتمالات نحرّم الأشياء السابقة كالعنب والسكين والخلوة لاحتمال وقوع المفسدة، بينما الأحكام الشرعية لا تُبنَى على قاعدة الظنون والاحتمالات، إلا أن الغلاة نجحوا في توظيف سد الذرائع لتحقيق بعض الأهداف الخفية وتحريم المباحات، علماً بأن النصوص جميعها تؤكد أن المجتمع مختلط والاختلاط مباح بل هو لازم من لوازم الطواف والسعي والحج والصلاة والأسواق والمشافي.
العيسى والغامدي
كيف قرأت مقالة وزير العدل الدكتور محمد العيسى، وحوار أحمد قاسم الغامدي عن الاختلاط؟
- ما نشر من مقالة وزير العدل، ورئيس هيئة مكة يؤكد ما سبق وذهبت إليه في بعض كتبي من أن الاختلاط مباح شرعاً، وهذه الاعترافات من رموز المؤسسة الدينية تعد سابقة في إعلان جواز الاختلاط بين الرجل والمرأة، وهي في حال الحشمة والعفة وعلى رؤوس الأشهاد.
وأتطلع إلى قيام المؤسسة الدينية بدورها المناط بها، ولا سيما وزارة العدل، فالأخذ في المحاكم بالقول المجوز للاختلاط سيحد من الأحكام التعزيرية بحق المتهمين بالاختلاء بينما هم في حال اختلاط مباحة شرعاً وعقلاً، وانتهز هذه الفرصة لأدعو رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تأمل ما ورد عن الوزير العيسى ورئيس هيئة مكة الغامدي، وإقرار قولهما وتعميمه على موظفي الهيئات، وإصدار نظام يمنع ضبط حالات الاختلاط والتوقف عن اتهام الناس بالخلوة.
فما ظهر من حق لا يبرر التمادي والتعسف والإصرار على الأخذ بالمرجوح في ظل وجود الراجح من أقوال أهل العلم المعتبرين.
لك قراءة في فقه القضاء... بماذا خرجت منها؟
- الهدف من القضاء تحقيق العدالة بين الناس، وإحقاق الحق بين الحاكم والمحكوم، والقضاء بالحق ينصف المظلوم من الظالم، وينهي المنازعات، وفي الحديث الشريف «القضاة ثلاثة، اثنان في النار، وواحد في الجنة».
فالقاضي العالم بالحق والحاكم به في الجنة، والقاضيان بجهل أو بتجاهل للحق في النار، وهذا الحديث يذكرني بموقف أبي حنيفة حين رفض دعوة الخليفة لتولي القضاء، ليقينه وعلمه بما أصاب المسلمين من ظلم بني أمية.
وقال: «لو أرادني أن أعدّ له أبواب مسجد واسط لما فعلت، فكيف وهو يريد أن يكتب بإهدار دم رجل يرغب في ضرب عنقه بالسيف وأختم له على ذلك فو الله لا أدخل في ذلك أبداً» على رغم كل الأذى الذي لحقه إلا أنه أصرّ على موقفه حتى أعفاه الخليفة وأطلق سراحه.
فالقضاء منصب شريف وخطير لمن قوي عليه وفي الأثر «من ولي القضاء فقد ذُبِح بغير سكين» وفي قراءتي سجّلت الكثير من التحفظ على تصرفات القضاة وأحكامهم.
كيف ترى ما تم إنجازه من مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإصلاح القضاء؟
- عُرِف عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنه ملك الإصلاح، وكان وما زال يعمل على إصلاح كل ما يلزم إصلاحه، فهو يحس بنبض الشارع، ويسعى لتحقيق العدالة، والمساواة، والحرية لكل مواطن.
وما توجيهه ومصادقته على النظام القضائي الجديد وديوان المظالم، وإقامة المحاكم المتخصصة إلا تأكيد على وجهته وتوجهه نحو الإصلاح للمرافق كافة.
وأعتقد بأن وجود رجلين بحجم الشيخ صالح بن حميد والدكتور محمد العيسى على رأس الجهاز القضائي سيسرّع من التطوير، ويسهم في انتشال القضاء من حالات الحرج التي يمر بها.
مثل ماذا حالات الحرج؟
- بعض الأحكام المثيرة للجدل، والقسوة والغرائبية والتناقضات في بعض الأحكام التعزيرية، ومنها تطويل مدة السجن والمبالغة في عدد الجلد، ومنها معاقبة مريض نفسي بالسجن والجلد، لأنه حاول الانتحار، بدلاً من تحويله إلى متخصص لعلاجه من أزمته وتخفيف مأساته.
ومنها التفريق بين الأزواج، مراعاة لأعراف وعادات قبلية، والحكم بالجلد والسجن على فتاة تعرضت للاغتصاب، والقضاة بحاجة إلى التقنين وأخذ روح النص في الاعتبار.
هل خرجت من خلال كتابك «الإرهاب تحت مظلة الجهاد» بحصر لأسباب الإرهاب، وضبط إشكالية الإرهابيين مع المجتمع؟
- الإرهاب موضوع معقّد وشائك، وحاولت الإسهام في إخماد فتنته، كوني مواطناً يستشعر خطره على الوطن والقيادة، ويمكن أن ينال من وحدة الوطن، وأحد أهم أسبابه الغلو في الدين، وتنظيرات تيار الصحوة الطامح لأهداف سياسية خبيثة ومكشوفة.
ومع الأسف أن التنظير وجد مناخاً وفضاءً مريحاً في المساجد والمدارس والمناهج.
ما أبرز مظاهر الغلو في مجتمعنا؟
- التشدد الديني، هو الأب الحقيقي للإرهاب، فالتشدد يجعل من صاحبه مزدرياً للآخرين، وهو ما يدفعه إلى احتقارهم، وتفسيقهم، وتبديعهم، ووصفهم بالزندقة والتكفير، والتشدد في أولى مراحل نموه يتمثل في عاطفة دينية، وبقدر مواقفه المتأزمة من المجتمع بقدر ما يتشكّل ويتحول من القول إلى الفعل واستخدام السلاح لفرض مفاهيمه الدينية الفجّة على الآخرين.
ومن مظاهر الغلو تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء، والعمل بنظرية سد الذرائع في مجالات الحياة كافة، ومطالبة المرأة بتغطية وجهها، والخلط عمداً بين المفاهيم الدينية.
قلتَ الخلط بين المفاهيم... ما الفرق بين الجهاد والقتال من وجهة نظرك؟
- لا تمتُّ كلمة الجهاد بأي صلة شرعية إلى القتال وإزهاق الأرواح، ولذلك يحسن بنا أن نعود إلى مفردة «جهاد» من الناحية اللغوية، لنجد أن الجهاد في سبيل الله يعني بذل الوسع من أجل خدمة الإسلام، ووردت كلمة جهد ومشتقاتها في القرآن الكريم 46 مرة، ولم أجد فيها إشارة أو تلميح إلى أن الجهاد هو القتال أو الحرب، بل خرجت بقناعة أن الجهاد تعني بذل الجهد والاجتهاد في العمل لإنجازه على أكمل وجه وأجمل صورة.
ولا أدري كيف تحول مفهوم الجهاد من التعب والمشقة وبذل المجهود لنشر الدعوة الإسلامية بالوسائل السلمية إلى القتال، وتحميل مفردة الجهاد ما لا تحتمل من معاني القتل والتفجير والتدمير، وآيات تحريم القتل في كتاب الله صريحة في مواضع عدة.
ألا توجد في الشريعة نصوص داعية إلى قتال الآخر ومنازلته؟
- القتال المشروع هو القتال في سبيل الله والحق، ويتمثل في القتال دفاعاً عن الدين والوطن، وهو قتال يخضع لشروط عدة وردت في النص القرآني، منها: «وإن قاتلوكم فاقتلوهم»، «قاتلوا الذين يقاتلونكم» «أخرجوهم من حيث أخرجوكم» «ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم».
العلاقة مع الآخر
كيف يمكن تجاوز حال العداء مع الآخر؟
- العداء فهم بشري قاصر، فالقرآن الكريم باعتباره المرجع لجميع المسلمين نهى عن العداء، «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم»، «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره» فالنصوص لا تكتفي بإباحة التعامل وإنما تطلب منا أن نبر بهم ونعدل معهم.
إضافة إلى دعوة الشرع إلى حسن التعامل مع الآخرين وعدم جواز ابتدائهم بالشر بل ولهم حق الحماية باعتبارها من مكارم الأخلاق.
أين تضع مفردة «شهيد» من خلال فهمك للنصوص؟
- أزعم أنه أسيء فهم واستخدام مصطلح الشهادة في سبيل الله في معظم مراحل التاريخ الإسلامي لأسباب سياسية، وعلى رغم تكرر المفردة 82 مرة في القرآن الكريم لا توجد آية واحدة تشير إلى أن الشهيد هو قتيل المعركة، وكلمة الشهادة جاءت لثلاثة معانٍ مختلفة، الحضور الواعي، والاعتراف.
وبمعنى الأمرين معاً حضوراً واعترافاً، فالشهادة لا تعني الموت في سبيل الله قتيلاً، فالشاهد من عاين أمراً، والشهيد تعني الشخص الذي شوهد في مكان معين ليقوم بعمل أو يقع عليه عمل.
هل تكامل دور المفكرين والكتاب مع أدوار الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب؟
- لقد قامت وزارة الداخلية بقيادة الأمير نايف بن عبدالعزيز بدور تاريخي لحماية الوطن والمواطنين من الإرهاب، إلا أن محاربة الإرهاب تحتاج إلى شراكة بين الدولة وبين المواطنين، ومن الطبيعي أن يكون المفكرون والمثقفون في طليعة المتصدين للفكر الإرهابي الضال، والبحث عن مصادره، ومنابعه.
وهذا الأمر بحاجة إلى استراتيجية وطنية وعمل فكري وبحثي شاق وطويل، كون جذور الإرهاب مدفونة في عقول المنحرفين فكرياً، ولا سيما عند من يؤمنون بالتشدد في الدين، وهم منتشرون في كل المؤسسات الدينية والمدارس والبيوت بعد أن تمت برمجة عقولهم بالفكر التديني المتطرف لمدة تجاوزت ثلاثة عقود متتابعة.
فتكونت أجيال تراها وادعة ظاهرياً إلا أن فتح باب النقاش معها يكشف لنا بأنهم من ضحايا التشدد ورموزه في تيار الصحوة فتحزن عليهم وتتمنى إصلاحهم إلا أن ذلك غير ممكن عملياً، فهم أشبه بالشجر الذي نما معوجاً حتى صار ضخماً وعملاقاً يصعب تحويله إلى أعواد مستقيمة.
والمؤمل أن نتبنى أعمالاً جادة ومشاريع جديدة لخلق أجيال متصالحة مع نفسها ومتسامحة مع ذواتها وتؤمن بمبادئ الحوار وتنبذ العنف، وتتحمل المؤسسات التربوية والمنزلية والإعلامية الشق الأكبر من المسؤولية.
إلام ترجع تحفظك على إحالة فسح بعض الكتب على وزارة الداخلية؟
- في نظري أن وزارة الثقافة والإعلام تتعسف في هذا الإجراء، وتفرض وصاية على المثقفين والمفكرين والكُتّاب الذين يطمحون إلى الإسهام في معالجة إشكالية الإرهاب وغيره من المواضيع المتعلقة بالفكر الديني.
ولا ريب في أن لكل مواطن مخلص وقادر على الكتابة وجهةَ نظر في تناول، أسباب ظاهرة الإرهاب وطرق معالجتها، والمؤمل من وزارة الثقافة إتاحة الفرصة لكل مؤلف لينقل رأيه، بكل صراحة ومن دون مجاملة مع احترام الثوابت، وتعدد الآراء يثري البحث في جذور المشكلة ويسهم مع المعنيين في حلها.
ومن غير المنطقي تهميش بعض الرؤى والأفكار لأن الحكمة ضالة المؤمن وأحياناً تؤخذ من أفواه المجانين.
إلى أي مدى انكمش خطر الإرهاب محلياً؟
- لم ينكمش، بل هو في ازدياد حتى لو أنه لم ينجح في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، كون وزارة الداخلية تقف له بالمرصاد، إلا أن الإرهاب اليوم أحاط بنا من كل جانب، فهو موجود غربنا في الصومال، وجنوبنا في اليمن، وشمالنا في العراق.
ولا يجوز بحال من الأحوال أن نقف متفرجين على العمليات الإرهابية التي ما تزال حرائقها مشتعلة في أفغانستان وباكستان بدعوى أنها بعيدة عنا وعن بلادنا.
فالفكر يتسلل ويقتحم البلاد على حين غِرّة وفي أي وقت مثل ما تغزونا الأوبئة والأمراض المعدية. من هنا يتوجب علينا أخذ الحيطة والحذر والعمل على حماية الوطن والمواطنين.
هل يعني هذا حتمية مساعدتنا لدول الجوار ومنها اليمن للقضاء على الإرهاب؟
- من دون شك، وبكل تأكيد فجغرافية اليمن تساعد الإرهابيين على التسلل والتخفي، وهذا ما يعرقل محاربتهم هناك، ونعلم أن التضاريس الوعرة في اليمن، أسهمت في تشكيل خلايا عدة، وتدريبها على إلحاق الضرر بنا من خلال خبراء في العمليات الانتحارية.
وشواهد تسللهم واعتداءاتهم على رجال الأمن ملحوظة، والفكر الضال يمكن أن يراوغ ويتمارض لكنه لا يموت، وقابل للتفريخ.
بصفتك أحد المهتمين بالإعلام... ما الذي يلفت نظرك منه اليوم؟
- لعل البرامج الحوارية في بعض القنوات الفضائية أبرز ما يستحوذ على إعجابي، وتأسرني لمتابعتها، ولا سيما تلك التي تعالج الشؤون الداخلية في السعودية.
كما أحرص على متابعة الشأن السياسي، وحوارات القنوات الجادة التي تتناول بمهنية واحترافية السياسة العالمية ومدى تأثيرها في الدول بشكل من الأشكال، ونحن منها بالطبع.
وما أبرز سلبيات الفضاء والشبكة العنكبوتية؟
- من أبرز السلبيات إفساد أخلاق الشباب من خلال قنوات إباحية، لا هم لها سوى ترويج الجنس واصطياد شبابنا وإلهائهم بسمومها.
وهناك قنوات تتاجر بالدين مع الأسف، وقنوات تنشر الدجل والخرافات بين العوام، وقنوات معنية ببث منهجية الغلو بين الناشئة.
ومنها قنوات فضائية سعودية خاصة ترعى مفاهيم تدينية متشددة وتتبنى أصوات دعاة التطرف محاولة استثارة عواطف الناس وتجييشها ضد الدولة من خلال طرح قضايا مختلف عليها، وصبْغها بالمسلمات وتصنيفها في خانة الثوابت أو المعلوم من الدين بالضرورة.
وهذه قنوات مكشوفة وأهدافها البعيدة جلية للمسؤولين وللواعين من المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.