مع تقدم التعليم نجد أنه بدأت تظهر بعض المشكلات والظواهر التي تستدعي البحث الميداني ومنها هروب بعض الطلبة من المدارس بشكل ملاحظ وكبير، ومع أن تلك الظاهرة خطيرة وقد تشكل وباء يصل إلى حد يصعب السيطرة عليه، فانه أصبح أمرا يمر على الأسماع ويمضي كما لو كان أمرا طبيعيا!! و لا يخفى علينا كلنا مخاطر هذه المشكلة على الطالب : فقد يفوتك الكثير من الفهم والاستيعاب لمضمون الحصص التي تتعمد الهروب المستمر منها وبالتالي ستجد صعوبة المواصلة مثل أقرانك مع المعلم في تحصيل المادة ، و قد يؤول حالك إلى الفصل من الدراسة وبالتالي ضياع مستقبلك ما إذا أستمر هروبك وتسجيل غيابك . و أما مخاطر الشارع وفيها حدَث و لا حرج ( السيارات – الشلل الفاسدة - ..... الخ) فلذلك قمنا نحن مجموعة من طلاب ثانوية حمزة بن عبدالمطلب بجدة ، بإجراء هذا التحقيق الصحفي الذي نسعى من خلاله إلى معالجة هذه الظاهرة بعد الكشف على ابرز مسبباته بلسان الطلاب أنفسهم ، و بمشاركة من الأستاذ بدر الجابري – المرشد الطلابي - ، و بالتقاط أخبار من عامل لمطعم الوجبات السريعة المجاورة للمدرسة ، كما لم يخلو هذا التحقيق من استشارات المتخصصين للحديث على هذا الجانب و هم : د. عبدالصمد البرادعي و أ. سعد الحارثي و أ. عبيد البرغش و كل ذلك تحت إشراف متكامل من الأستاذ / عادل الرويثي " رائد النشاط المدرسي . ( البيئة المدرسية السيئة ..!! ) في البداية يتحدث الطالب " ع . ص " – و هو احد الطلاب الهاربين - : حيث يذكر ان هذا هو ديدنه دوماً فغالباً يتحين الفرصة للهروب من المدرسة ، معللاً ذلك بان البيئة المدرسية لا تسمح له بذلك ، حيث لا توفر المدرسة تلك المقومات التي تؤهله للارتياح فيها ؛ فاغلب الفصول الدراسية التي يتنقل فيها سيئة التهوية و التكييف - خصوصاً أننا مقبلين على فصل الصيف – و عدم وجود تلك الوسائل التعليمية التي تحفزه للتركيز في الدرس ، فاغلب الفصول في مدارسنا هي عبارة عن غرف باهتة لا أكثر . ( قسوة و تشديد المعلم هي سبب هروبي ..!! ) هذه العبارة التي ابتدأ بها الطالب : " أ . غ " حديثه ، حيث أكد أن احد المعلمين الذي يعاني من تشدده و شعوره بالملل في حصته ، هو سبب مكوثه و تنقله في اسياب المدرسة ، و أن التناقش مع الطالب حول الأسباب التي دفعته للهروب ، احد الحلول المهمة لهذه المشكلة. ( عدم المرونة في التعامل ) أكد الطالب : " خ . م " أن سبب وجوده في ممرات المدرسة طوال اليوم الدراسي ، هو عدم المرونة في التعامل معنا كطلاب ، فلا مزح ولا ضحك ولا مرونة فهي وذلك بحجة حفظ النظام وهيبة المدرسة ، و عدم السماح بذلك حتى لو بحدود ، و هذه الأمور احد أهم الأشياء التي تسرق قلب الطالب ، و تؤثر إيجابا في نفسيته و حماسه لحضور الحصص الدراسية ، و قليلاً ما تجد من المعلمين الذين يتفهمون هذه الأمور . ( ملل دراسي ..!! ) ( س . ه ) احد الطلاب الهاربين و الذي وجدناه يدخن مع فئة من أصدقائه، علل هروبه؛ بسب ملله من الجو الدراسي الكئيب، و يتجه غالباً بعد هروبه، للجلوس مع أصدقائه، و الذهاب إلى احد المقاهي. ( الفطور الصباحي احد اهم الأسباب ) و بعد مقابلتنا لعامل احد مطاعم الوجبات السريعة المجاورة لمدرستنا ، أكد في حديثه انه دائماً ما يمتلئ المطعم بالطلاب الهاربين ، كون الفطور الصباحي لا يلائمهم ، فهم يميلون إلى تناول الساندويتشات الطازجة . ( أسبابه متعددة ) حيث يرى الأستاذ / عادل الرويثي أن : تسرب الطلاب من المدارس له أسباب متعددة و غالباً ما تكون نابعة عدم الاهتمام من قبل التربية ، و تكثيف المناهج المدرسية مما يجعل الطالب يمل من الحصة الدراسية ، كذلك قد تكون الأسباب أسرية و هو عدم تفهم الأهل في المنزل لما يحتاجه ابنهم في هذه المرحلة ، و التثقيل عليه في أمور كثيرة ، فلا يجد الطالب متنفساً له سوى الهروب في اليوم الدراسي . و يلتقط الأستاذ / بدر الجابري - المرشد الطلابي لمدرستنا – أطراف الحديث حيث يذكر : أن الهروب من المدرسة هو أهم علامات الانحراف السلوكي ، و التي لا تدل إلا على انحراف الطالب انحرافاً كبيراً ، و التي قد تؤدي إلى مشاكل لا حصر لها قد يتعرض لها الطالب خارج المدرسة ، في الوقت الذي يقضي زملائه و أقرانه وقتهم داخل الفصل الدراسي . و استطرد - في حديثه عن درجات المواظبة – قائلاً : انه بلا شك ستتأثر كثيراً بهذا الهروب لأنه ؛ يعد من الغياب دون عذر و التي نصت لائحة المواظبة فيه بحسم ما مقداره درجة كاملة عن كل يوم غياب ، و على أن تتولى إدارة المدرسة استدعاء الطالب مع ولي امره ، لبحث الأسباب و الحلول لهذه المشكلة الخطيرة . ( من ناحية نفسية ) يتحدث الدكتور / عبدالصمد البرادعي – احد اعضاء هيئة التدريس بجامعة أم القرى – عن هذه الظاهرة قائلاً :الهروب من المدرسة ظاهرة بنسبة ما، بين الفتيان والفتيات، وهي لدى الفتيان أكثر، ولا بد من علاج أسبابها قبل علاج النتيجة بقفل أبواب المدرسة مثلاً أو تعلية الأسوار، والسبب يكمن في المادة التي تقدمها المدرسة، وما هي الثقافة التي يقدمها الأهل للطالب عن المدرسة، وأنها حديقة فكر، لا مكان مغلق لتخزين المعلومات، ولا شك أن هذه الدراسة التي يقدمها هؤلاء الطلاب دراسة تساعد على وضع الحلول، والله أعلم . ومن جانبه تحدث المدرب الأستاذ / سعد الحارثي – وهو محترف تدريب معتمد من وزارة التربية والتعليم و عضو الجمعية السعودية للعلوم النفسية والتربوية - حيث ذكر أن : تسرب الطلاب من أسورة التعليم العام ، يقبع وراء الصورة المختزلة لدى طلبة التعليم عن الكبت النفسي ، الذي يعيشه الطالب داخل حجرة الدراسة القائم على الرتابة المملة ، وعدم اختراق عالم التعلم بالمرح ، والتطبيع الجذاب يجعل من الطالب يعمم صورته الذهنية على مظلة التعليم في كل الأصعدة ، لينال حرية التعبير عن رأيه خارج مبنى التعليم ، هنا يجب أن ننوه على خلق عالم من التعليم الممتع داخل مدارسنا ودراسة احتياج طلابنا من القائمين على التعليم . و في حديث أخير و متكامل للباحث الاجتماعي / عبيد البرغش – المدرب المعتمد لتطوير الذات و عضو جمعية واعي – يذكر بأن مشكلة الهروب من المدرسة من المشكلات السائدة في كثير من المدارس وهي ترجع لعدة عوامل تؤدي إلى حدوثها: **العوامل الذاتية: تتصل العوامل الذاتية بعدم قدرة الطالب على التحصيل المدرسي وبالتالي إلى التأخر الدراسي،مما يؤثر في تكيفه سواء مع مدرسيه أو زملائه الطلبة وتجعله نافرا من حياته المدرسية لشعوره بالنقص وعدم مساواته بأقرانه وبذلك يحاول الهرب من هذا الجو إلى جو يريحه ويرضيه ويلعب هذا العامل دورا آخر وهو ، ضعف قدراته العقلية تساعد على سرعة استهوائه من زملائه الذين تعودوا الهرب من قبل أو من الأشخاص الذين يصادفهم في البيئة المدرسية خارج المدرسة أو في الطريق إليها والذين يزينون له أمور أخرى تساعد على الهرب من المدرسة. **العوامل البيئية: 1-العوامل المدرسية: الجو المدرسي هو المجتمع الثاني الذي ينضم إليه الطالب بعد مجتمعه العائلي،ولذا يحتاج الطالب في هذا المجتمع إلى أن يكون القائمين بالرعاية فيه من ذوي الخبرة والكفاية بالأمور التربوية بحيث يعاملونه بما يتفق ومراحل نموه النفسي والاجتماعي،حتى يكون لهم التأثير المحسوس الذي يجعله قادرا على التكيف الاجتماعي السليم مع جو المدرسة وجو البيئة الجديدة التي يعيش فيها،كما يجب أن تكون البرامج مزيج من التعليم والتربية ومستمدة من البيئة المحيطة به،وفيها من أنواع النشاط الترويحي والفني الذي يزيد من نشاطه ويجعله يندمج بسهولة في حياته المدرسية،وبغير ذلك يسأم الحياة المدرسية التي تكون جافه تدور كلها حول المدرس والفصل فقط،مما تساعد على شعوره بأن المدرسة لا تعده بحيث يكون مواطنا له مستقبل ناجح،وبذلك تنعدم قيمة الدراسة لديه ويتخلى عن متابعة التحصيل المدرسي ثم يلجأ إلى الهروب. كما أن هناك بعض التلاميذ يجدون صعوبة في الانسجام مع المجموعة التي تلائمهم ، إما لانطوائهم أو خجلهم وفي سبيل محاولتهم التغلب على هذه الصعوبات يلجئون إلى الهروب من المدرسة وقد تكون المعاملة القاسية من جانب المدرسين والطلبة أو قد تكون المعاملة في المدرسة فيها شيء من السلطة والسيطرة مما تجعل الطالب لا يشعر بالأمن وتنمي فيه الشعور بالكراهية ومن ثم يلجأ للهروب. 2- عوامل البيئة الأسرية: هناك من العوامل البيئية ما يساعد على هروب التلميذ من المدرسة،فمثلا المعاملة القاسية من جانب الوالدين وعدم فهمهم للحياة المدرسية أو المطالب التي تتطلبها حياتهم المدرسية سواء كانت شراء كتب أو الاشتراك في نشاط معين الخ.... كذلك الإهمال في التربية والتدليل وضعف الرقابة مما يساعد التلميذ إما على التأخر في الذهاب إلى المدرسة أو التسامح معه في عدم الذهاب في مناسبات كثيرة مما يساعد على الاستهتار بحياة المدرسة وتفضيله حياة الشوارع عليها و ربما قد ينضم الطالب إلى الفئة التي تقضي أوقات المدرسة في الحدائق والسينما وغيرها. كيف نعالج المشكلة : بداية مع المدرسة : **الاهتمام بالمبنى المدرسي بصورته المتكاملة ومراعاة النواحي النفسية والفسيولوجية للطالب بما يتماشى ومراحل نموه وعدم إغفال الجوانب الترويحية في المبنى المدرسي. **على المعلم تجنب ما ذكرنا من سلبيات وأن يتبع المعلم الأساليب التربوية وأن يطور نفسه أكاديميا وتربويا في مادته العلمية- طرق تدريسها ) وأن لا يثقل كاهل الطالب بالواجبات المنزلية وأن لا ينسى الإخلاص والعمل لوجه الله **على مدير المدرسة أن يكون ديمقراطية في تعامله مع المعلمين والطلاب وأن يطبق اللوائح والقوانين التربوية بما يتناسب والمصلحة العامة وأن يكون القدوة التي يحتذى بها. **أن يراعي واضعوا المناهج الدراسية الأساليب التربوية الحديثة في إعداد المناهج الدراسية من حيث تماشيها مع متطلبات العصر ومراعاة النواحي النفسية والعقلية لطالب القرن الحادي والعشرين وأن يقللوا من الحشو الغير مفيد. ثانيا : مع الأسرة: **على الأسرة الانتباه لضرورة التوجيه والإرشاد الدائم بخطورة مثل هذه الظاهرة غير التربوية ومردودها السلبي على الطالب. **على الأسرة التعزيز المستمر وتوضيح أهمية التعليم ومردوده الإيجابي على الطالب مستقبلا. **على الأسرة متابعة الطالب سواء داخل المنزل أو خارجه. على الأسرة أن تخلي جوها الأسري من المشاكل أو على الأقل أن تبعدها عن الطالب. ** **على كل فرد في الأسرة – بداية من الأب ونهاية بالأخ – أن يكون قدوة حسنة ومثال خيَر يحتذي به الطالب دائما. ثالثاً : مع المجتمع: **يقع على عاتق الأسرة نصح الطالب عن رفقاء السوء وعلى كل فرد في المجتمع القيام بذات الدور ومحاربة وصد – الشلل الفاسدة – أن صح التعبير ،وعلى الإعلام دور التوعية المستمرة بخطورة أي ظاهرة غير تربوية دخيلة على مجتمعنا قبل أن تتفشى **يجب على وزارة التربية والتعليم التفكير في إعداد خطط وإستراتيجيات مدروسة للقضاء على أي ظاهرة غير تربوية ( الهروب من المدرسة – الدروس للخصوصية – الغش في الامتحانات ......) كذلك العمل وبجدية بالتنسيق مع مؤسسات التعليم العالي بخصوص نسب قبول طلبة الصف الثاني عشر في مؤسسات التعليم العالي بعد التخرج كذلك إعطاء فرصة عند تطبيق نظام معين ليتقبل المجتمع والأسرة والطالب خصوصا هذا النظام التعليمي ويستطيع التماشي معه ولو لفترة من الزمن .