المسافر سفير غير معلن لوطنه

منذ القدم، تداول الناس حكمة بليغة تقول:" يا غريب كن أديب". وهي مقولة تختصر دروسًا عميقة في التعامل مع الآخر، خاصة عند زيارة الدول، أو المجتمعات المختلفة، حيث يصبح الأدب مفتاحًا للتقدير والاحترام.
فالسفر ليس مجرد تنقّل بين المدن والبلدان، بل هو لقاء مع ثقافات متباينة وعادات قد تكون غريبة على الزائر. وهنا يتجلى دور الأدب؛ بوصفه لغة عالمية يتجاوز بها الإنسان الحدود، ويعبر إلى قلوب الناس قبل أن يعبر حدودهم.
إن التزام الغريب بالقوانين المحلية، وتقديره لعادات المجتمع المضيف، يجعله موضع ترحيب واحترام. كما أن الابتعاد عن النقد أو الاستهزاء بعادات الآخرين يعكس وعيًا ونضجًا، ويُظهر أن الزائر يحمل قيمًا رفيعة، تعكس حضارة بلده وثقافة مجتمعه.
ولعل أجمل ما يميز الأدب أنه لا يقتصر على المظاهر، بل يتجسد في السلوك اليومي: في طيب الكلام، وحسن التعامل، والالتزام بالأنظمة، والتقدير المتبادل. فكل مسافر هو سفير غير معلن لوطنه، ينقل صورته للآخرين عبر تصرفاته قبل كلماته.
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى تفعيل هذه الحكمة في حياتنا، لندرك أن الغريب المؤدب يترك أثرًا طيبًا أينما حلّ، بينما الغريب المستهتر يسيء لنفسه أولًا قبل أن يُسيء لوطنه. ويبقى الأدب زاد المسافر، وعنوان شخصيته، وجوازه الحقيقي نحو قلوب الناس.