في خطوة مدروسة تعبر عن تطور الفكر الإداري في المملكة، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن تنظيم جديد، يمنح العمالة الوافدة مهلة 60 يومًا بعد انتهاء العقد، يتمكن خلالها العامل من الانتقال لصاحب عمل جديد، أو تجديد عقده، أو مغادرة البلاد دون التعرض لأي مخالفة قانونية. بعيدًا عن الجانب الإداري البحت، يحمل هذا القرار بين سطوره رؤية إنسانية واقتصادية ناضجة، تعكس اهتمام الدولة بتحقيق التوازن بين حقوق العامل الوافد، واحتياجات سوق العمل، وكرامة الإنسان أولًا وأخيرًا. إن منح هذه المساحة الزمنية يعزز حرية الاختيار، ويمنع بقاء العمالة في وضع قانوني هش، أو التعرض للاستغلال، أو الوقوع في المخالفات؛ بسبب تأخر في الإجراءات، أو نقص في المعلومات؛ بل أكثر من ذلك حيث يسهم القرار في ترسيخ صورة المملكة كدولة عادلة ومنظمة، تراعي كرامة كل من يعيش ويعمل على أرضها، من زاوية اقتصادية، فإن هذه المهلة تحدث أثرًا مباشرًا في رفع كفاءة سوق العمل؛ إذ تعزز مبدأ التنافسية والشفافية، عندما يعرف العامل أن بوسعه الانتقال إلى بيئة عمل أفضل دون تعقيد، فإنه سيكون أكثر التزامًا وانضباطًا، كما ستدفع هذه الحرية أصحاب الأعمال إلى تحسين بيئة العمل والأجور للاحتفاظ بالكفاءات، وهو ما يصب في مصلحة الجميع. يأتي هذا القرار متسقًا مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى خلق سوق عمل مرن وعادل وجاذب للطاقات المتميزة من مختلف الجنسيات، كما يؤكد أن السعودية لم تعد تنظر للعامل الأجنبي كرقم في سجل إحصائي، بل كعنصر فاعل في معادلة التنمية، وبينما تتسابق الدول لوضع أنظمة عمل أكثر جاذبية، تثبت السعودية أنها تتقدم بخطى ثابتة نحو بناء نموذج حديث في إدارة القوى العاملة، يجمع بين احترام الحقوق وتحقيق الكفاءة. الخلاصة أن هذه الستين يومًا ليست مجرد رقم في لائحة تنظيمية، بل رسالة واضحة مفادها نحن مع العدالة والتنمية والمرونة، خطوة ذكية في الوقت المناسب، تصنع الفارق في تفاصيل الحياة اليومية، وتفتح الباب لسوق عمل أكثر نضجًا وإنصافًا.