شهد اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل (الكابينت) جلسة عاصفة امتدت حتى ساعات الفجر الأولى من أمس (الأحد)، طغت عليها مشادات كلامية حادة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس هيئة الأركان العامة هرتسي هاليفي، وسط خلافات متزايدة حول آلية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. الجلسة التي انعقدت عشية استئناف المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس في الدوحة، كشفت حجم الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بملف الدعم الإنساني للقطاع في ظل استمرار العمليات العسكرية. ووفق ما نقلته وسائل إعلام عبرية، تم خلال الجلسة عرض صور لمواطنين فلسطينيين يركضون نحو مراكز توزيع الطعام، ما دفع رئيس الأركان لتحذير الوزراء من خطورة اقتراب المدنيين من القوات الإسرائيلية المنتشرة في المنطقة. وقال هاليفي مخاطبا الوزراء: "انظروا إلى الجنود.. المدنيون قريبون جداً منهم"، في إشارة إلى احتمال تعرض الجنود للخطر جراء الازدحام على نقاط التوزيع، لكن الوزير بن غفير هاجم هذه السياسة بشدة قائلاً: "لماذا توزعون لهم الطعام وتعرضون حياة الجنود للخطر؟ يجب وقف ذلك فورًا. هم يركضون لأنهم يفكرون بهذه الطريقة. حتى حين تم إحضار مختطفات، ركضوا نحوهن. هل كانوا جائعين أيضًا حينها؟". وخلال الاجتماع، وبّخ نتنياهو رئيس الأركان بسبب التأخير في تنفيذ توجيهاته المتعلقة بإنشاء "منطقة إنسانية" في جنوبغزة لاستيعاب المدنيين وتسهيل عمليات توزيع المساعدات. من جانبه، عارض بن غفير وسموتريتش بشدة فكرة استمرار توزيع المساعدات في شمال القطاع، معتبرين أنها تعرقل خطة إخلاء السكان وتبقي على هيمنة حماس في تلك المناطق. الجلسة الصاخبة الأخيرة ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت اجتماعات سابقة للكابينت مشادات مماثلة بين رئيس الأركان وعدد من الوزراء الذين اتهموه بعدم تنفيذ تعليمات القيادة السياسية بالسرعة الكافية. لكن نتنياهو أصر حينها على المضي في خطة شاملة لإخلاء سكان غزة باتجاه الجنوب، مؤكداً: "لن أتنازل.. حماس لن تبقى بأي شكل في غزة"، إلا أن رئيس الأركان حذر من مخاطر هذه الخطة قائلاً: "إدارة عسكرية بهذا الشكل غير واقعية. من سيتولى إدارة مليوني شخص غاضب وجائع؟ قد نفقد السيطرة تماما، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لسلامة الجنود". ورغم التوتر الداخلي، قررت إسرائيل إرسال وفدها التفاوضي إلى الدوحة للمشاركة في جولة جديدة من المباحثات غير المباشرة مع حماس، رغم رفض الحركة لبعض البنود التي تعتبرها إسرائيل "غير مقبولة". وقال نتنياهو في بيان: "بعد تقييم الوضع، وجّهتُ بالمشاركة في المفاوضات القريبة في الدوحة ومواصلة المحادثات لاستعادة الأسرى بناءً على المقترح القطري الذي وافقت عليه إسرائيل". لكن مصادر إسرائيلية أفادت بأن رد حماس على المقترح القطري تضمّن تشديداً في مطالبها، لا سيما بشأن انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق واسعة في غزة، ورفض آلية توزيع المساعدات عبر شركات أمريكية، إلى جانب المطالبة ببدء مفاوضات إنهاء الحرب في مراحل مبكرة من الاتفاق. الجلسة العاصفة التي تسربت تفاصيلها لوسائل الإعلام الإسرائيلية تعكس أزمة إدارة عميقة داخل الحكومة الإسرائيلية بين المؤسسة العسكرية والسياسية، وسط تعقيدات ميدانية وإنسانية متزايدة في غزة. ويبدو أن الخلافات بين نتنياهو ورئيس الأركان باتت تمثل تحديًا إضافيًا للقيادة الإسرائيلية في وقت تحاول فيه موازنة الأهداف العسكرية مع الضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء الأزمة الإنسانية في القطاع.