تربية البنات أخطر من تربية الأولاد وأكثر دقة وحساسية فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق كما قال شوقي، وإنّ تفلت الروابط الاجتماعية الأسرية في أي مجتمع ينتج عنه تداعيات ومخاطر هذا التفكك ينعكس سلباً على الأجيال قادمة . لماذا تربية البنات تحديدا دون الذكور ؟ لأنه من المسلم به علمياً أن الطفلة تكبر أسرع من قرينها الذكر، فتنضج ملامحها وتملأ البيت صخباً طولا وعرضا و"فكرا". ولو ألقينا نظرة عامة وليست خاصة فلابد من وجود نسبة في أي موضوع مجتمعي أثناء الطرح فلا تعميم شامل في أي موضوع . نرى أمهات هذه الأيام وآباء هذا العصر حين يجلسون في بيوتهم مع أبنائهم وبناتهم لا شاغل يشغلهم سوى ذلك الجوال الذي أسر العقول وفرق شمل الأسرة ونزع الدفء العاطفي في العلاقة بين الأبناء والآباء والوالدين لكي يتخلصوا من كثرة أسئلة الأبناء قاموا بشراء جوالات لأبنائهم لينشغلوا بها عن كثرة السؤال ويتخلص الأب من أبناءه لكي يجد وقتاً للدردشة مع هذه أو تلك ممن ظلّ بهم طريق الحياة عن جادة الدفء العاطفي وبعض الآباء استبدل ساعات الراحة في بيته ليضيعها في اصطياد المحرومات من الدفء العاطفي ولم يعد إخفاء بأنه متزوج ولديه أبناء وزوجة ولكن يجد لنفسه المخارج ويقوم بوضع العيوب في زوجته بحجة أنها لا تفهمه وهو يبحث عمن تفهم عليه وتتناغم معه في مزاجه وهواه والهدف الحقيقي ليس هذا بل هو مفتاح للتعمق بالعلاقة حتى تتفت أسرته وبالمقابل تقوم الزوجة (المركونة جانبا) عاطفياً تشعر بالوحدة وتبحث هي الأخرى عن الدفء العاطفي خارج سرب أسرتها وزوجها ويبقى الأبناء أولادا وبنات في مهب الريح تتقاذفهم رياح التغيير العاطفي والصراع بين الأم والأب فيغرقون في بحر الجوالات دون علم والديهم لأنهم مشغولون في الانتقام من بعضهم وكأن الزواج صراع أصلاً وليس سكينة ولباس . وما يهمني ويقلق بالي هو نشأة البنات في هذه الأجواء الملوثة عاطفياً والبنات حصراً لأنهن أمهات المستقبل فكيف نطالبها مستقبلاً بإنشاء وتربية جيل جديد من أبنائها إن هي عاشت وترعرعت في أسرة مفككة جائعة عاطفياً لا ترابط عاطفي بين الأب والأم والبنات كل منهن تسير حسب ما تجري الرياح بها ودائماً الرياح تحمل المفاجآت وأشياء ضارة وكل بنت لم تتجاوز سن الرشد إن بقيت بلا إشراف ومتابعة من الوالدين فالضياع هو الطريق وأقل ما تجنيه منه هو العقد النفسية والجهل وسوء تقدير الأمور لعدم وجود موجّه ومرشد صادق بحياتها . وبناتنا يعشن أياماً شديدة التعقيد في الانفتاح المرئي والمسموع والتفاعلي في هذا العصر الذي تسير فيه الأيام بسرعة الضوء ، حيث لا يمكن بل من المستحيل السيطرة على مفاتيح الغلق والفتح، ضمن مدخلات العلم والتكنولوجيا المدهشة في التسارع، ومخرجات دراسات المجتمع للمرأة، التي تنصح بفتح باب الحوار وتحذر من الأبواب المغلقة. والواقع بأن كلّ أم وأب أيضاً يريدان أن تربية بناتهما حسب ما تربيّا عليه ، غافلين عن التطور الواضح والسريع من التطور الفكري إلى التطور النفسي وتأثير جميع وسائل التواصل الاجتماعي على شخصية الأبناء فلم تعد شخصية الأم أو شخصية الأب هي القدوة كما كان يقال : (كلُّ فتاة بأبيها معجبة ) وأصبح الأب غالباً مغلوباً على أمره فكرياً بالنسبة لمن يقبل بالسير في هذه التجربة، أن بناته يفهمنه خطأ، وأن الحرية في الحركة واختيار الصداقات وانتقاء الملابس، والقبول بأمور كانت محرمة قبل عدة سنوات فقط، صارت تسحب الأبوين إلى واد سحيق لا تعرف نهايته، وعلى طريق يجبرهما على تنازلات عريضة ومتعرجة، وإن حياة بناتنا ومتابعة أحوالهن النفسية والتفرغ لهن أهم من العالم الافتراضي الذي يعيشه الآباء ويضيعون ساعات طويلة في هذا الهراء على حساب أجيال قادمة سوف تدفع ثمن إهمالهم ونزواتهم النفسية .