غالباً ما يغرق الإنسان في فكره أو في حبّ شيء ما أو شيء آخر… هذا الغرق يفقده حواسه الفطرية ويُضعفها وغالباً ما تكون حجاباً مسدولاً حول تفكيره فلا يرى سوى ردة فعله التي سوف تخرجه مما أغرق نفسه به ، تماماً كالغريق يتخبط بيديه وقدميه لعله يبلغ النجاة ويحصل على شهقة هواء تنجيه من الموت المحتم غرقاً .. والإنسان يقضي حياته على دفتيّ شاطئ الحياة وهو يتقلب من جوانب هذا النهر بين الفرح والحزن وبين ما هو سلبي أو إيجابي ودائماً يبحث عن حلول وهو يجمع بين هذه المتناقضات في أعماق نفسه ويستطيع الإنسان بخبرته في هذا التقلب أن يوازن نفسه حيث لا يترك أيّ منها تؤثر عليه وعلى قراراته وإذا وصل الإنسان إلى هذه النقطة من الإدراك في وعيه الفكري فقد أدرك حريته من قيود ردود الفعل المصاحبة من خلال الاحتكاك المباشر بالمجتمع بكل تناقضاته ويخرج من تحكم هذا المحيط الذي يشكل ظروفه وحزنه وفرحه وايجابياته وسلبياته . ونحن نعلم بأن الفرح والحزن والسعادة والمعاناة هي لعبة الأضداد وكلها غير مستقرة وهي متقلبة وليست ثابتة ولكل منها توقيت زمني معين في حياة الإنسان المتقلبة والمتأرجحة بينهما . وأما روح الإنسان التي هي جوهره الحقيقي فهي مستقلة استقلالاً تاماً عن لعبة الأضداد هذه ولأنها تسكن في طمأنينة خالقها تلك النعمة التي لا يعرفها إلا من وصل إليها وأدركها بالوعي الذاتي. لذلك فإن مفتاح السعادة الدائمة هو التوقف عن البحث عنها ثم معرفة أن كلّ إنسان يمتلكها بالفعل وأما البحث عنها فهو متعب للغاية وطالما يبحث عنها حوله وفي محيطه فإنه سوف يقضي حياته في البحث دون جدوى وهو غافل بأن السعادة قابعة في روحه بداخله ولكنه لا يراها ولم يكتشفها وإن مفتاح هذا السر يكمن في تخطي جميع المتناقضات السلبية والايجابية لأن الفرح والحزن وجهان للحياة لا يفارقان الإنسان فهو يتقلب بينهما مادام يتنفس في هذه الحياة ولكن ليس لأي منهما كيان ذاتي داخل الإنسان بل هما أعراض خارجية تفرضهما الظروف والبيئة وطالما الإنسان في حالة اللاوعي فسيبقى أسير لهما. لأن الطبيعة الحقيقية للإنسان هي وجوده وليس طريقة تفكيره لذلك على الإنسان أن يبحث في أعماق نفسه عن السعادة وعليه أن يتجاوز فكره وهذا لا يعني أنه يتخلى عن الحزن ويبحث عن السعادة بل عليه تجاوزهما بالكلية والخروج من عالم المتناقضات إلى عالم الإمكانيات الذاتية لتكون السعادة حصرياً نابعة من أعماق الروح … لابد من الخروج عن معايير الثنائية المتضادة أو المتناقضة في هذه الحياة الإيجابي والسلبي الصح والخطأ لأن الخبير والتناغم والجمال هي نبضات عفوية ارتقائية للكون بمجمله وكذلك الشر والخطأ والكراهية والفوضى والإرباك هي نبضات عفوية (تطورية) للكون وإنما التنافر والتجاذب الحاصل بينهما هو الذي يجعل للحياة معنى فلا أحد منا يتصور كيف سيكون شكل الحياة لو كانت على لون واحد لا تناقض فيها …بالطبع سوف تكون مملة … ولأن ناموس الله في خلقه وكونه هو التناقض والتباين والتجاذب والتنافر ولن يتولد الإبداع إلا بوجود هذا النظام فسبحان المبدع لأن الإبداع يتولد من هذا التباين نور وظلمة لذّة وألم حرارة وبرودة جمال وبشاعة فرح وحزن وإن البشاعة هي مقياس الجمال والضد يظهر حسنة ضده وهكذا جميع المتناقضات … ولأن في داخل كل إنسان طاقة فكرية متضادة مجبولة على الخير والشر معاً لقوله تعالى : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) فإن شرر هذه الطاقة هو الذي يبعث حرارة الحياة في داخل الإنسان وهو يجمع بين الطبع الملائكي والطبع الشيطاني لذا الإنسان طافح بالمتناقضات أحيانا يكون ناسكاً متعبداً متذللاً إلى ربه وأحيانا يتقلب في ذنوب المعصية ومن غلب عليه نور الخير فهو السعيد ومن غلب عليه ظلمة نفسه فنسأل الله تعالى له الهداية…