تساقطت كثير من الصور المتباينة.. كانت ألوان الطيف أمام ناظريه تعطيه بعض الراحة التي بحث عنها باستمرار.. كل الماضي يشعر به اللحظة.. أمسك بنظارته السميكة وراح يمسحها في رفق ويده ترتعش.. عروقها تنافرت.. التجاعيد على صفحة وجهه أصبحت أخاديد تتعرج عليها قطرات الماء.. تناول من على الطاولة.. بجانبه تلك الورقة التي وضعت بعناية داخل مظروف أنيق.. أخذت عيناه تلتهمان السطور فكان متكئاً فجلس تهللت أساريره شاع في كل وجهه فرح طفولي وهو يتابع حروف تلك الورقة المرتعشة بين يديه.. وأخذ يردد: الحمدلله.. الحمدلله. الورثة الثانية أصبح الآن أكثر حزناً وأكثر ألماً وهو يستمع الى هذه السلسلة من أخبار الدمار والخراب التي تقصف بآمال أمته في أكثر من أرض عربية واسلامية تعتصره هذه الاخبار لأنهار الدمار التي تسيل على التراب في المشرق والمغرب.. في حروب لا يعلم مداها إلا الله وأخذ يتساءل بمرارة. إلى أين؟ ولماذا..؟ وما هو المكسب الذي سوف يتحقق من خلف كل هذه النزاعات التي تحيط بالعرب والمسلمين؟ لم يجد اجابة في داخله.. فهذا شهر رمضان قد مر وهو شهر التسامح والرحمة.. والرأفة.. وهذا شهر الحج قد انقضى وهو شهر النقاء.. تذكر أن هناك أكثر من أم تشكو ثكلها لابنها.. وكم من زوجة تنعي بعد ان فارقها زوجها.. وكم من طفل ضاعت من على وجهه البرئ مسحة الفرح بعد ان فقد أباه. تذكر كل هذا وهو يردد في نفسه: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون". أجيئك والحزن ملء اليدين ** يظل الشاعر العربي يحمل همه فوق كتفيه.. يجوب كثيراً من الطرقات ويقف كثيراً تحت أشجار الاثل الشامخة في أطراف المدينة.. يضع كثيراً من الصور التي تلون واقعه وتعطيه ما يريد.. يحشو جيوبه عشقاً وحباً وصفاً فتأخذه الذكرى الى موطن "العشق" الزاهي فيقول نشيداً هو الذوب في لذته دعونا نستمع الى ذلك الشاعر العربي الدكتور احمد العزب رحمه الله وهو يطوف بنا في سماء المدينةالمنورة.. المدينة التي اتاها في لحظة شوق وودعها في لحظة اشتياق. اجيئك والحزن ملء اليدين. وكل السؤالات تسأل أين.. وفوق جبيني جرح التجاوز يرفض أن يستريح قليلا ويرفض أن يصبح العشق يا سيدي بين.. بين أجيئك والحزن ملء اليدين وقبل اجئك كنت اراسل رمل الجزيرة كانت تراسلني حمحمات الخيول وكنت إذا عزني البوح أحمل سجني وأخطب في الخطباء وارسم وجهك في كل عين. إنه ذلك الشعر الذي هو ذوب النفس وعشقها عندما يختلط بذلك الوجد العاشق.