عندما اشتعلت أزمة الكساد الكبير سنة 1929 كان الحلّ الأمريكي لهذه الأزمة هو تصديرها إلى الخارج عن طريق إيجاد المبرّرات للاشتراك ودخول العالمية الثانية، وتحاول أمريكا عن طريق سياسة التحكّم النقدي وهيمنة الدولار تحميل العالم أعباء الأزمة الأخيرة وتصديرها لإخماد نارها ولكن دون جدوى لأن حجم الأزمة كبير، والعالم كله يعاني من تبعاتها وآثارها المدمرة،.. ومحصلة الأمر أن حجم الأزمة وامتدادها العالمي لا يمكن معالجته في ظلّ الأوضاع الدولية الحالية، وإنما سوف يزداد الأمر اتساعاً يوماً بعد يوم حتى يقف العالم أمام الحقيقة وهي: (حتمية التخلي عن هذا النظام)!!.. والسؤال الذي يرد هنا هو ما هو مستقبل أمريكا وأوروبا بعد سنوات؟؟ فمن يتابع الأحداث فإنه يدرك يقيناً أن مستقبل أمريكا وكذلك أوروبا هو التخلّي عن كثير من أفكار النظام الرأسمالي كلما اشتدت الأزمات والأحداث في داخلها، وبالتالي التخلّي شيئاً فشيئاً عن النظام الرأسمالي المالي برمته!!.. ففي المستقبل القريب ستجد الدول الرأسمالية نفسها في مواجهة الجماهير الصاخبة المطالبة بالعدالة في الانتفاع من الأموال والثروات، وسيجد الرأسماليون الكبار أنفسهم وجهاً لوجه مع هذه الجموع الثائرة المتزايدة في كل يوم، وهذا بالتالي سيؤدي حتماً إلى موضوع آخر وهو إحجام المواطنين عن دفع الضرائب للدولة، وذلك بسبب عدم الثقة بينهم وبين الدولة، وهناك أمر ثالث أخطر من هذا وذاك ربما يحصل في الولاياتالمتحدة بالتحديد- وقد بدت بعض مظاهره تطفو على السطح في ظل الأزمة الأخيرة_ وهو: مطالبة الولايات الغنية بالانفصال عن الولايات الفقيرة بسبب عمق الأزمة، واتساع دائرة الاحتجاجات ضد الدولة؛ وهذا معناه تفكّك منظومة الولاياتالمتحدة تماماً كما حصل مع الاتحاد السوفيتي السابق، ومن ثم التخلي نهائياً عن هذا المبدأ!!. وما سيحصل في أمريكا سيحصل في أوروبا ولكن بطريقة أخرى؛ ألا وهي انتهاء عقد الاتحاد الأوروبي عندما تجد الشعوب نفسها تتحمل أوزار الدول المتعثرة- مثل اليونان_ فوق تحمّلها لعثرات الرأسماليين داخل حدودها، وبالتالي فإن منظومة اليورو لن تصمد طويلاً ولن يبقى عند ألمانيا وفرنسا وهولندا النفس الطويل في مواجهة شعوبها الثائرة بسبب تحمّلها لأعباء الدول المتعثرة، -حيث بدأت بوادر هذا الأمر تظهر في ظل الأزمة الأخيرة في الاتحاد الأوروبي- وهذا سيكون ضربةً للاتحاد الأوروبي تؤدي إلى تفككه وانهياره.. إلا أن الخطر الكبير على العالم سيكون في انهيار أمريكا وتفككها؛ لأن أمريكا هي رأس العالم ورأس الغرب اقتصادياً ومبدئياً، وأيُّ انهيارٍ يحصل فيها سيكون بمثابة البركان أو الزلزال الذي يهزّ الكرة الأرضية برمتها، وسيضع العالم أجمع أمام الحقيقة وهي البحث عن مخلّصٍ مبدئيٍّ جديد يخلص العالم من هذا الدمار والخراب والشرّ المستطير..