إسرائيل تخشى أوامر الاعتقال وتستمر في الانتهاكات    مصر: وفاة 18 فتاة في حادث غرق «ميكروباص»    اضطراب هوائي يضرب طائرة سنغافورية    الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 28 يونيو    Microsoft تنافس بالذكاء الاصطناعي    شكوك حول مصير غوارديولا    إصدار 700 ألف صك عبر البورصة العقارية    أمير المدينة المنورة يكرم 23 طالبا    IF يتصدر شباك التذاكر    الجامعة العربية تؤكد أهمية حوار الحضارات كتنوع ثقافي متناغم    تهيئة المساجد التاريخية لاستقبال ضيوف الرحمن    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    تعليم الطائف يعلن ترتيب شرائح النقل عبر نظام نور لمعلمي ومعلمات التعاقد المكاني    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الجوازات والوفد المرافق له    ما المشاريع التي دشنها أمير حائل في محافظة السليمي بأكثر من مليار ريال؟    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    معرض تعاوني للتدريب.. يستقبل 3 آلاف طالبة وطالب خلال 3 أيام    46 مليار ريال سنويا التسهيلات المقدمة للمنشآت    مدير مكتب التعليم بالروضة يفتتح العيادة المدرسية بمتوسطة زهير بن أبي أمية    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    وكالة الفضاء السعودية تعلن أسماء الفائزين ال10 من 8 دول عربية في مسابقة #الفضاء_مداك    سمو محافظ الخرج يرعى حفل التخرج لمتدربي ومتدربات وحدات التدريب التقني بالمحافظة    «جامعة نايف العربية» تطلق في تونس أعمال الملتقى العربي للحد من تهريب المهاجرين    "عطور الشرق" يفتح أبوابه للزوار في المتحف الوطني السعودي    أخضر الملاكمة بالمعسكر الدولي    آرني سلوت: عرض العمل مع ليفربول يستحيل تجاهله    السعودية تحقق أكبر تحسن إقليمي في قطاع السياحة منذ 2019    ريال مدريد: كروس قرر إنهاء مسيرته الكروية بعد يورو 2024    العالم حريص على توحيد الجهود الدولية لإيجاد حلولٍ شاملة لقضايا المياه    تاج العالمية تفتتح مكتبها في الرياض ضمن 19 موقعا عالميا    انخفاض قياسي لتكلفة الكهرباء من الرياح بالغاط ووعد الشمال    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة الملك    الربيعة يدعو لتأسيس "مجلس طيران إنساني عالمي"    إطلاق "مانجا إنترناشونال" للأسواق الدولية    وزير الإسكان يشهد توقيع "الوطنية للإسكان" 5 مذكرات تفاهم    النفط يتراجع والذهب في ارتفاع    نائب أمير الرياض يستقبل نائب وزير الحرس الوطني المكلف    طلاب الاحساء يحصدون 173 جائزة لوزارة الثقافة    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    أكثر من 5.5 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أبريل الماضي    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    موعد مباراة الهلال والطائي..والقنوات الناقلة    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    5 فوائد للمشي اليومي    خادم الحرمين الشريفين يخضع لبرنامج علاجي    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    لا عذر لخائن    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة الفاضلة حلم الفلاسفة وواقع الإسلام
نشر في البلاد يوم 12 - 01 - 2009

المدينة الفاضلة.. حلم عاش عليه كثير من الفلاسفة والحكماء، وأصبحت رمزا عند كثير من أعلام الفكر، الكل يحلم بالمدينة الفاضلة، يحب أن يعيش فيها؛ لأنه يرى فيها العيش الكريم، والمنتزه الدائم الذي تجد فيه النفس راحتها، ومن الذي لا يبحث عن راحة نفسه؟؟
ولكن الواقع يقول: إن المدينة الفاضلة حلم وخيال، ضرب من السراب، أحلام وأوهام، هكذا ربما يقطع كل الفلاسفة والمربين، مع تعلقهم بها من ناحية الأمل، وإن كان أملا صعب المنال.
غير أن المرء حين يفكر في المدينة الفاضلة التي يمكن أن يعيشها الناس، وكيف تكون؟ ومن أين يأتي سكانها؟ يجد أن المدينة الفاضلة ممكنة الوجود، يمكن للناس أن تعيش في مدينة فاضلة، لكنها ليس بالمواصفات التي وصفتها الحضارة القديمة، فكل مدينة تلتزم بأخلاق الإسلام وسلوكه، ويتعامل الناس فيها بمنهج الإسلام السمح، الذي بنى رسالته على حسن الخلق، ليوقن أنه سيعيش في مدينة فاضلة.
إنها مدينة فاضلة؛ لأن من فيها أناس يعيشون واقعهم، ويحملون رسالتهم الأخلاقية، تظهر في حياتهم وتصرفاتهم، في طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الناس، حب الغير، التبسم في الوجوه، السعي للإصلاح، عون المحتاج، احترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، لين الكلام ولطفه، الرفق في المعاملة، بذل العطاء والتحلي بالجود والكرم، سلامة الصدر من الأحقاد، خفة الظل، تفقد الغائب والسؤال عنه، إجابة الدعوة، التواضع بين الناس، التفكر والتدبر، السعي لرفعة الوطن، تقديم الصالح للناس جميعا، البعد عن الغش والكذب، تنزيه النفس عن الغيبة والنميمة وسيئ الأخلاق، حرص الحاكم على شعبه، وحب الشعب لحاكمه، النظافة، إتقان العمل... إلخ.
ألست معي أنه لو وجدت مدينة بهذه المواصفات، لكانت مدينة فاضلة؟ إن الإسلام يسعى إلى هذه المدينة، بل طبقها النبي صلى الله عليه وسلم، واقعا معاشا، وأوضح في أجلى صورة أن رسالته مبنية على المبادئ السامية، والأخلاق الفاضلة، حيث قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
إن تربية النفس على الأخلاق الحسنة، تصنع مجتمعا فاضلا، يكون كل إنسان فيه حريصا على وطنه وأرضه، وأهله وعشيرته، فيسود الحب بين الكل، ويغلب عليهم إيثار بعضهم على بعض، لا أثرة أنفسهم دون النظر لغيرهم. إن كل شيء في الإسلام يدعو للمدينة الفاضلة؛ فالعبادات تحمل هذا المعنى؛ فالصلاة (تنهى عن الفحشاء والمنكر)، وتعلم المسلم البعد عن الرذائل والتحلي بالفضائل في الأقوال والأفعال.
والمسلم يجد أثر الصلاة على سلوكه، كما جاء في الحديث القدسي: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل بها على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب" (رواه البزار).
والزكاة تطهير للنفس من الشح والبخل، وتدريب لحسن العلاقة الاجتماعية بين الناس، وعدم الوقوف عند الذات، وأن يهتم المسلم بإخوانه ومن يعيش معهم، فإن لم يكن يملك من المال ما يتصدق به على غيره، تصدق عليهم بالابتسامة الجميلة، وبشاشة الوجه، وإرشادهم إلى الخير، وتحذيرهم من الشر، والسعي لإماطة الأذى عن طريق الناس، وعون المحتاج بكل ما يملك، واعتبار هذه الأعمال من الصدقات يدفع المسلم ألا يعيش منفردا في مجتمعه، بل وصولا بالله من خلال تعامله مع الناس، بما يسدي لهم من نصح أو يتصدق عليهم من مال أو غيره.
والصوم تزكية للنفس وتدريب لها أن تلتزم معالي الأخلاق، وهو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم" (ابن خزيمة)، وهذا يعني أثر الصوم في سلوك الناس وتهذيبهم.
وهذا المعنى أيضا نجده في الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ} (البقرة :179).
الأخلاق قبل نوافل العبادة
بل يجعل النبي صلى الله عليه وسلم حسن الخلق أعلى درجة عند الله من عبادة مع سوء خلق، وتحكي لنا كتب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة تصوم كثيرا، وتصلي كثيرا، وتتصدق كثيرا، وتؤدي عبادات صالحة كثيرة، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فكيف يكون جزاؤها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هي في النار"، فتلاشت العبادات والتعب فيها، مقابل سوء خلق الإنسان مع غيره؛ فالإسلام لا يرضى أن يكون حسن العبادة مع الله كافيا لصلاح الإنسان، بل لا بد أن يكون مع عباد الله حسَن الأخلاق، وإلا فلن تنفعه هذه العبادة التي يقوم بها؛ لأنها أصبحت حركات لم تؤت ثمارا، وكأنها أقرب إلى النفاق.
وفي المقابل، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة، قليلة النوافل، فلا تصلي من النوافل إلا قليلا، ولا تصوم إلا قليلا، وتتصدق على الناس بصدقة قليلة، وهي حسنة المعاملة مع جيرانها، فقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "هي في الجنة".
بل يجعل النبي صلى الله عليه وسلم سيئ الخلق مع الناس من أفلس خلق الله يوم القيامة، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم يوما أن يعلم أصحابه معنى جديدا، فسألهم: "أتدرون من المفلس؟" فقالوا: المفلس فينا من لا درهم ولا متاع. فهو الإنسان الفقير. فغيّر لهم النبي صلى الله عليه وسلم معنى المفلس، ولم يحصره في فقر اليد، وإنما أفلس منه فقر الأخلاق، ولو كان عابدا لله؛ فالمفلس من أمة النبي صلى الله عليه وسلم من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج وأعمال صالحة كثيرة، وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيأخذ الله تعالى من حسناته ويعطيها لمن ظلمهم، حتى إذا لم يبق معه حسنات، أخذ الله من سيئات من ظلمهم، فطرحها عليه، ثم طرحه في النار.
إن المدينة الفاضلة في الإسلام لا تقوم أركانها على حركات من العبادة، بقدر ما تقوم على استقامة السلوك، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وحسن العشرة والمعاملة مع الناس، وقد قيل: الدين المعاملة.
فإذا اجتمع للناس حسن الخلق فيما بينهم وبين الناس، وحسن العبادة بينهم وبين ربهم فأولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة وأجر عظيم.
وتلك هي المدينة الفاضلة التي يحلم الناس بها، إنها مدينة الأخلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.