قرأت هذا المساء حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن رفع الأمانة فيقول \" حتى يقال للرجل ... ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان \" وطاف في ذاكرتي عند التأمل في الحديث سورة المنافقون وقد قال الله فيها \" وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسنّدة \" و تذكرت حديث سهل بن سعد رضي الله عنه \" قال : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس : \" ما رأيك في هذا ؟ \" فقال رجل من أشراف الناس : هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع . قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر على رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" ما رأيك في هذا ؟ \" فقال : يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح . وإن شفع أن لا يشفع . وإن قال أن لا يسمع لقوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" هذا خير من ملء الأرض مثل هذا \" وأدركت هذه الأحاديث كلها في زماننا واقعاً حياً ! فلم يعد مهماً اليوم عند فئام من الناس كم هي تقوى الإنسان ؟ وكم رصيده من الإيمان ؟ وإنما بات ما هي وظيفته ؟ وكيف منزلته بين الناس ؟ ولن أبّس يكلمة واحدة لهؤلاء الرائين والمتحدثين وإنما يهمني جداً أن أتحدث إلى القارئ الذي يذعن لي هذه اللحظة قائلاً له : كم نحن بحاجة إلى رؤية ذواتنا من الداخل ؟ كم نحن بحاجة إلى إعادة النظر والتأمل في حياتنا من الداخل أكبر من النظر إليها من الخارج .. إن بقعة سوداء واحدة على ثوب الإنسان كفيلة بأن تقلق الإنسان وتدفعه نفسياً وجسدياً أن يزيلها بشتى الوسائل ولسنا بحاجة إلى مزيد برهان على ذلك ، وكم هي تلك البقع السوداء كبيرة المساحة التي تنتشر في نفوسنا من الداخل ولا نلتفت لها أو نعيرها حتى بعض اهتمامنا ! إننا أحوج ما نكون إلى العودة الصادقة للرؤية من الداخل ، وتنقية العوالق التي لا يراها الناس وإنما يطّلع عليها ويراها ويعرف آثارها رب الناس ! إن الموقف يوم القيامة على ما في القلوب ، وإن زهاء الثياب وجميل الرائحة غير كافٍ غداً في الخلوص من مواقف الحسرات ! وإن قلباً تلوّث بأمراض الحق والحسد والرياء والكبر لهو قلب مأسور من الإشراق هنا في دار الدنيا فكيف يكون أسره وألمه وفضيحته في الدار الآخرة ؟! إن إنني أرى العودة حتمية .. وقد يكون الأجل أضيق على الواحد منا في لم هذا الشعث ، وترتيب تلك الفرقة الداخلية التي يعيشها الإنسان ، وإن إنساناً بلغه حديثي هذه اللحظة لهو إما رابح بهذه الذكرى ؟ وإما خاسر بقيام الحجة عليه ، أما صاحبه كاتب هذه الأسطر فهو أولى بقيام الحجة قبل ذلك . والله المستعان ! مشعل عبد العزيز الفلاحي [email protected]