اليوم، وفي زمن غزته الشهادات وتزاحمت فيه الألقاب، بات الناس يخلطون بين من يملك ورقة مكتوب عليها "متخصص"، وبين من هو بالفعل أهل للعلم والخبرة. يُمنح الفرد لقب "متخصص" استنادًا إلى شهادة حصل عليها بعد سنوات دراسة مستفيضة في المجال، فهو بهذا حمل التخصص معه، لكنها لا تمنحه بالضرورة جوهر التخصص. فليس كل من حمل لقباً عُدّ أهلًا له، ولا كل من تزيّن بالشهادات أصبح مُدركاً بلبّ العلم وروحه. فالتخصص الحقيقي ليس ثوبًا يُرتدى، ولا ورقة تُعلّق، بل هو رحلة عمر، يسلكها من حمل الأمانة بصدقٍ وإخلاص. التخصص هو إلمام عميق وممارسات تطبيقية والتزام راسخ بأخلاقيات المهنة التي تتفاوت بين هؤلاء الأفراد المتخصصين فقد تسمو وقد تخبو، فيظل محكوماً بميزان الضمير، وبقدر المسؤولية التي يحملها تجاه من يخدمهم، والمجتمع من حوله. والتزامه بمفهوم الأمانة، وحسه الإنساني والعاطفي، وعلى واقعه الذي يعيشه والمجتمع الذي يحيط به إن المتخصص الحق هو الذي يجمع بين العقل المتأمل، واليد المجرّبة، والقلب المسؤول. فإذا تكلّم، أصغى الناس له، لأن كلماته خرجت من علمٍ صادق وتجربةٍ حقيقية ، فالمتخصص ليس من عرّفته الشهادات، بل من عرّفته التجارب والضمائر. وفي ميدان التربية الخاصة يظهر بوضوح أن التخصص ليس لقباً أو شهادة تُمنح، بل شغف متواصل بخدمة فئة تحتاج مضاعفة العطاء والتضحيات والجهد في الدفاع عن حقوقهم، وأن نُعطيها من قلوبنا قبل أيدينا. ولهذا، علينا أن ندرك أن التخصص مسؤولية قبل أن يكون شرفًا. فمن تصدّر للناس في مجاله دون امتلاك الأدوات والمعرفة الكافية، أضرّ أكثر مما نفع، أيها المتخصص، تذكّر أن عملك مع ذوي الإعاقة ليس وظيفة عابرة ولا ساعات تُدوَّن في سجل الحضور والانصراف. إنها أمانة في عنقك، وحق لأبناءنا من ذوي الاعاقة عليك، ورسالة إنسانية قبل أن تكون مهنية. قد لا يملك الفرد منهم صوتًا قوياً يُطالب بحقه الذي يريده، لكن عينيه تترقبك، وابتسامته تنتظر منك بذرة اهتمام، وخطوته الصغيرة نحو التقدم لن تتحقق إلا بدعمك وسندك. إخلاصنا بالمجال، حتماً سيصنع فرقًا عظيمًا لا تقاس نتائجه بالأرقام والتقارير، بل بقدرته على العيش بكرامة واستقلالية في وطن كريم، أما تقصيرنا هو خيانة للأمانة وتضييع لحق الإنسانية. فإن كنت قد اخترت هذا التخصص، فاعلم أنك اخترت الإنسانية بأسمى معانيها. فكن على قدر هذه الأمانة، وكن متخصصاً بالجوهر، لا باللقب فقط، وبالرسالة لا بالشهادة. د.أروى أخضر دكتوراه الفلسفة في الإدارة التربوية