- الرأي - بدرية عيسى - جازان : في قلب الجنوب السعودي، وعلى ضفاف البحر الأحمر، تقف جازان شامخةً بتاريخٍ ضاربٍ في الجذور، تختزل في تضاريسها الوعرة وسهولها الخصبة حكايا المجد والصراع والتحوّل. لم تكن جازان يومًا مجرد بقعة جغرافية على خارطة الوطن، بل كانت وما زالت مسرحًا لأحداثٍ تاريخية صنعت ملامحها وأثرت في نسيجها الاجتماعي والثقافي. ومن بين صفحات الزمن، تبرز وقائع مفصلية شهدتها هذه المنطقة، لتروي لنا قصة شعبٍ صامد، وهويةٍ لم تنكسر، وأرضٍ حافظت على خصوصيتها رغم تعاقب الأزمنة. معركة الحفائر : و هي معركة تاريخية حاسمة وقعت في جازان عام ١٣٢٩ ه حوالي ١٩١١ م بين القوات الإدريسية وقوات الدولة العثمانية، وانتهت بنصر كبير للإدريسيين وانتصار ساحق لقبائل جازان في مواجهة الجيش العثماني المدجج بالسلاح الحديث. سميت المعركة بالحفائر نسبة إلى منطقة آبار المياه التي دارت فيها المعركة، ويُقال إنها كانت من أقوى المعارك العربية ضد العثمانيين في المنطقة. ومن اهم أسباب حدوث المعركة سعي الدولة العثمانية لفرض سيطرتها على المخلاف السليماني (جازان) في ظل تزايد نفوذ الإمام الإدريسي واستقلاله بالمناطق. وبدأت المعركة بعدما تجهزت القوات العثمانية بكامل عتادها من الأسلحة والجنود والدواب وتقدم الجيش العثماني في ثلاثة اتجاهات نحو جازان مستخدماً المدافع والرّشاشات في حملته التي ضمت حوالي أربعة آلاف جندي .وفي المقابل تجهزت قوات الادارسة وقبائل المخلاف لهذا الهجوم حيث تمكّنت قوات جيش الإدريسي من منع وصول الماء إلى القوات العثمانية واجبروهم على التوجه لمكان يسمى بالحفائر "آبار مياه " لكي يتزودوا بالماء فترصدوا لهم هناك وفتكوا بهم ومن ثم قامت قبائل جازان أيضا بمحاصرة القوات العثمانية والاشتباك معها وتدميرها في معركة شرسة استمرت لثلاث ساعات فقط، لكنها أدت إلى مقتل حوالي ٢٥٠٠ جندي تركي. وفي هذه المعركة الحاسمة تم طرد التواجد العثماني في المنطقة وعزز من وجود دولة الادارسة في الجنوب.