نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير نادي منسوبي وزارة الداخلية بمناسبة تعيينه    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يقيم حفل "فرحة نجاح" احتفاءً بنجاح نزيلات مؤسسة رعاية الفتيات    القيادة تهنئ رئيس جمهورية رواندا بذكرى استقلال بلاده    جوارديولا يوجه الشكر للاعبيه والجهاز الفني بعد الخروج من مونديال الأندية    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    لودي: نأخذ المال ونهزمهم أيضًا    بيب غوارديولا يُبرر سقوط مانشستر سيتي أمام الهلال    ترامب يرفع العقوبات عن سوريا    ترمب ينفي أي تفاوض.. إيران تتهم غروسي بتبرير استهداف منشآتها النووية    وسط تصعيد ميداني لافت.. الكرملين يتطلع لاستئناف المفاوضات مع كييف    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    18 % نسبة الارتفاع.. 4.32 تريليون ريال أصول صندوق الاستثمارات    "الاتصالات والفضاء" تطلق النسخة الثانية من " المبادرة".. تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري بتدوير الأجهزة الإلكترونية    بدء التقديم في برنامج "قياديات القطاع الصحي"    العثمان.. الرحيل المر..!!    في ختام دور ال 16 من كأس العالم للأندية.. قمة تجمع ريال مدريد ويوفنتوس.. ودورتموند في مهمة مكسيكية    شراحيلي اتحادي حتى 2028    فلومينينسي يعبر إنتر ميلان إلى ربع نهائي مونديال الأندية    واشنطن تكثف الضغوط لعقد صفقة.. إسرائيل تهدد ب«القوة» وتطالب بإخلاء غزة    المملكة ممثلة بوزارة الداخلية تُسهم في إحباط تهريب أكثر من (5,000,000) قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بالتنسيق مع "الجمارك اللبنانية"    صالح السلوك يكرم شركاء النجاح والمتطوعين    في ذمة الله.. صالح الموسى    شرف الدين وباهرمز يزفان فيصل وبدور    بناء نظام وطني لدعم التدريب والتعلم الرقمي    "تيم لاب" يحتفي بعامه الأول في جدة التاريخية    أحمد السقا يخرج بكفالة بعد اتهامه بالتعدي على طليقته    أصداء    إلزام المطاعم بالإفصاح عن المكونات الغذائية    الجراحات النسائية التجميلية (2)    الطريق إلى العالم الأول    مبادرة توعوية لتنظيف شاطئ العيقة    السجل العقاري.. نافذتك الآمنة    «نزاهة» تباشر التحقيق في 18 قضية فساد مالي وإداري    المرأة في القنفذة إرث عريق    توثيق الدروب القديمة بين السراة وتهامة بمنطقة الباحة    تعميق الشراكة الثقافية بين المملكة والصين    "الدارة" تنظّم إتاحة الوثائق التاريخية للباحثين    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    هل الحروب ضرورة أم عبثية؟    الفبركة في عصر الذكاء الاصطناعي    قائدٌ يرسم ملامح وطن    "الدهمشي" يطّلع على جهود فرع الصحة بجازان ويشيد بدوره في متابعة كفاءة الخدمات الصحية    فهد بن سعد يطلع على إنجازات تجمع القصيم الصحي    القيادة تعزّي أمير وولي عهد الكويت.. وتهنئ رئيس الكونغو    رئيس مجلس الشورى يصل إلى مملكة كمبوديا في مستهل زيارة رسمية    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لإدارة مرور المنطقة    حملة توعوية وتثقيفية على مغاسل الملابس بالظهران    غرفة الشرقية تناقش دور القطاع الخاص في البرنامج الوطني للتشجير    أمير جازان يستقبل قائد قوة الطوارئ الخاصة بالمنطقة    "الشمري": يزور مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشن عددًا من المشروعات بجامعة جازان    البيعة الثامنة لولي العهد بلغة الثقافة والفنون    سعد الصقير أول طبيب أمراض جلدية من دول الخليج يحصل على وسام القيادة الدولية في الأمراض الجلدية لعام 2025    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    نائب أمير مكة والقنصل العراقي يناقشان الموضوعات المشتركة    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إنَّه ثمَّةَ مقاماتٍ رَضِيَّةً، تبلغُ بأهلها منازل الشَّرف، وتسمو بهم إلى معاقدِ العزِّ، وتبوِّئُهم محلَّ القدوةِ من النَّاس، وتنزِلُ بهم في طريقٍ لاحبٍ من رضوان اللهِ، ومحبَّته سبحانه.
وبيّن أنه يأتي في الذِّروةِ من ذلكم مقامُ الإحسانِ، الذي يُفضِي بصاحبه إلى فعل الأحسنِ والأجملِ على الوجه الأكمل؛ فهو مقامٌ يلتئمُ من الكمال، والجمال. ولما كان الإسلامُ منبعًا للمكارم كلِّها، كان هذا المقامُ فيه على أتمِّ صُورَةٍ، وأشرفِ حالٍ، وصار فيه عبادةً من أجلِّ العباداتِ، وإنَّ مُبْتدَأَ الإحسانِ: إحسانُ المرءِ إلى نفسِه، بدلالتها على خالقها وربِّها، وتجريدِ التَّوحيد له سبحانه، وعبادتِه على غاية الشُّهود والمراقبة، وتمام الإخلاصِ والمجاهدة، حتَّى يصدُق فيه قوله صلى الله عليه وسلم : (أنْ تعبُدَ اللهَ كأنَّك تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ، فإنَّه يراك) وهذه هي غايةُ الدِّين، وأعلى مراتبه، ونهايةُ منازله وليسَ وراءها للمؤمن مَرْمَى, فإنَّ المرءَ يصيرُ بها كأنَّه يشهد ربَّه تبارك وتعالى رأيَ العينِ، ولا تسَلْ عن حاله حينئذٍ من الخشية والمهابة والخشوع والخضوعِ والتذلُّل، فإذا علِمَ أنَّ ربَّه يراهُ في كلِّ حالٍ، ويطَّلعُ على دقيق سِرِّه، ولا يغفَل عنه طرفةَ عينٍ، كان ذلك مدعاةً له إلى إتقانِ العبادةِ وإجادتِها وتكميلِها في غير نقصان ولا إخلال، ومن دون سآمةٍ ولا كَلالٍ.
وأردف قائلاً المؤمن محسنٌ في صلاتِه التي هي لقاؤه بمحبوبه، ومناجاتُه لربِّه، فيؤديها على غاية الكمالِ : يطمئنُّ في ركوعها وسجودها، ولا يختلسُها اختلاسًا، ولا ينقرُها نقرًا، غيرَ ذاهلٍ عنها، ولا مُشتَغِلِ البالِ بغيرها، بل يؤدِّيها بسكونِ طائرٍ، وخفضِ جناحٍ، وجمعِ خاطرٍ، وتفريغِ لُبٍّ. وهو محسنٌ في زكاتِه أيضًا، التي هي طُهرةٌ لماله، ونماءٌ لكسبه، ومواساةٌ لإخوته من ذوي الفاقة، فيؤديها إلى أهلها: في وقتها، من غير بخسٍ، راضيةً بإخراجها نفسُه، لا يمنُّ بها، ولا يؤذي طالبَها، ولا يشِحُّ بإتباعها بالتصدُّق المستحبِّ؛ إمعانًا في الجميل، وإبلاغًا في الإحسان.
وأضاف إمام المسجد الحرام أن المؤمن محسِنٌ في صومِه، الذي هو تركُ الشَّهوةِ لله تعالى، فيتعبَّدُ به تعبُّدًا خاصًّا، ويبلغُ به من الإحسانِ إلى أعلى مراتبه، فإنَّه يتركُ أحبَّ الأشياءِ إليه من غير اطِّلاع أقربِ النَّاسِ في ذلك عليه؛ إيثارًا لاطِّلاعِ علَّامِ الغيوبِ، وشهودًا لمراقبته، وهذا هو لبُّ الإحسان وحقيقتُه وجوهرُه. فالصِّيامُ موردٌ من مواردِ تحقيق الإحسانِ أَعْظِمْ بهو أَجمِلْ وهو أيضا محسنٌ في حجِّه، الذي هو إجابةُ محبٍّ لدعوة حبيبِه، وقصدُ زيارتِه في بيته، فيُتِمُّ جميعَ أعمالِه لله تعالى، مباعدًا للرَّفث، مجانبًا للفسوق، نائيًا عن الجِدال، قد أقبل بكُلِّيَّتِه على مولاهُ، يأنس من نفسه جلالة المَزُور، فيتحفَّظُ من أن يراهُ ربُّه في بيته وحَرَمِه، وعلى بساطِ كرَمِه، مُخلًّا بأدبٍ، أو مضيِّعًا لفرضٍ، أو مقصِّرًا في عمل, فحجُّه مشهَدٌ من مشاهد الإحسان الكبرى، وموقفٌ من مواقفهِ العُظمى, وإنَّ المؤمنَ ليمتدُّ إحسانُه إلى غيره، ويعمُّ من سواه، فإذا استجمعَ خِلالَ الإحسانِ إلى النَّفسِ، دأبَ على ترويضها على الإحسان إلى المخلوقينِ، في أبوابٍ من الإحسانِ مشرعةٍ لا منتهى لها، كبَذْل النَّدى، وبَسْط الوجهِ، وصُنع المعروف، وإغاثة الملهوف، والتَّنفيس عن المكروب، والتَّفريج عن المهموم، وسَدِّ الخَلَّات، وقضاءِ الحاجاتِ، وإطعامِ أهل المسغبة وكفالة الأيتام، والسَّعي على الأرامل، وتزويج الأيامى، وعيادةِ المرضى، وتعليمِ الجاهلِ، وإرشاد الضالِّ، وغير ذلك مما لا يُحصى.
وبيّن فضيلته أنَّ من مشاهِد الإحسانِ التي هي ذكرى للعابدين، ومنارٌ للسَّالكين، وحادٍ للمُحسِنِين، ما جاء في خبر السَّبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أنَّ للإحسانِ إلى النَّفسِ وإلى النَّاس عواقبَ حُلوةَ الجَنى، طيَّبة الثَّمر، كريمةَ الأثر فأوَّلها أنَّ المحسِنَ ينالُ درجةَ المحبَّة، وينعَمُ بخالِصَةِ المعيَّة كما قال سبحانه وتعالى (إنَّ اللهَ يُحبُّ المحسنين)، وثانيها أنَّ رحمةَ اللهِ أقربَ ما تكون من المحسنين كما قال تعالى (إنَّ رحمةَ الله قريبٌ من المحسنين) وثالثُها أنَّ المحسِنَ موعودٌ بالإحسان كما قال جلَّ ثناؤه (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان), ورابعُها أنَّ المحسِنَ من أهل المحسنين قال تقدَّستْ أسماؤه (وبشِّر المحسنين)، وخامسُها أنَّ ثوابَ المحسنِ محفوظٌ عند الله وإن خفي عن الناس أو جحدوه قال عزَّ وجلَّ (إنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجرَ المحسنين وسادسُها أنَّ الإحسانَ يُعقِبُ في قلبِ ًصاحبه لذَّةً لا مِثلَ لها، قال بعضُ العلماء (إنَّ أكبرَ لذَّاتِ الدُّنيا هي لذَّةُ الإحسان), ولعلَّ هذه اللَّذَّة داخلةٌ في بشارته تعالى للمحسنين ألا وإنَّ في كل ذلك لباعثًا يبعث المرءَ على السَّيرِ في درب المحسنين، فيكون له في كل قولٍ إحسانٌ، وفي كل فعلٍ إحسانٌ، وتكون حالُه كلُّها دائرةً مع الإحسانِ.
// يتبع //
14:18ت م
0051
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي/ إضافة أولى واخيرة
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله – سبحانه – في السِرِّ والعلن فهو المتولَّي الأمورَ، ويُصلِحَ أحوالَكم، فالتقوَى نَهجُ الصالِحين المُفلِحين، وحِرمانُها هو الخُسرانُ المُبين.
وحث إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين أن يكونوا مِن أهلِ البصائِرِ والإيمانِ، واتَّبِاع سُبُل ذَوِي الألبابِ والإحسانِ؛ فهم أهلُ العقُولِ المُستقيمة، والفِطَر السليمة، وهم الذين ينتَفِعُون بالوحيِ، ويفهَمُون معانِيَ ما أنزلَ الله على مُرادِ الله ومُرادِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -، ويعمَلُون بكلامِ الله؛ رجاءَ ثوابِه، وخوفًا مِن عقابِه قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).
وأضاف الحذيفي أن الاعتِبار مِن أعمالِ العقولِ المُستنِيرة، ومِن أعمال البَصِيرة الخَبِيرة، الاعتِبارُ يهدِي إلى الفَوزِ والنَّجاةِ مِن المُهلِكات، ويُوفَّقُ صاحِبُه إلى عملِ الصالِحات، ويرشُدُ به صاحِبُهُ إلى طريقِ الصالِحِين المُصلِحِين، وتكونُ عواقِبُه إلى الخيرات.
وأوضح فضيلته أن من حُرِمَ الاعتِبار لم ينفَعه الادِّكار، ووقعَ في الهلَكَات، واتَّبعَ الشهوات، واتَّبعَ سُبُل المُفسِدين، فصار مِن النادِمِين.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الاعتِبارُ هو الانتِقالُ مِن حالةٍ مُشاهَدة، أو حالةٍ ماضِية ذاتِ عقوبةٍ ونَكالٍ إلى حالةٍ حسنةٍ، باجتِنابِ أسبابِ العقوبةِ والنَّكالِ، أو الانتِقالُ مِن سِيرة الصالِحين وما أكرَمَهم الله به إلى العملِ بأعمالِهم، واقتِفاءِ آثارِهم، أو التفكُّرُ في طبائِعِ المخلُوقاتِ، ومعرفةِ أسرارِها وصِفاتِها، والحِكمةِ منها لعبادةِ خالقِها، وتخصيصِه بالتوحيدِ والطاعةِ – تبارك وتعالى -.
وتابع فضيلته أن الله عزَّ وجل خلق الخلقَ، وجعلَ للكَون سُننًا، فجعلَ الطاعةَ سببًا لكلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة، وجعلَ المعصِيةَ سببًا لكلِّ شرٍّ في الدنيا والآخرة وهل شقِيَ بطاعةِ الله أحد؟! وهل سعِدَ بمعصِيةِ الله أحد؟!
ومضى الحذيفي بالقول أن الله – سبحانه قصَّ علينا في كتابِه، وقصَّ علينا رسولُه – صلى الله عليه وسلم – مِن قصصِ وأحوالِ الأنبياءِ والمُرسَلين والمُؤمنين ما فيه العِبَر، وما فيه القُدوةُ لمَن بعدَهم، وما فيه النَّجاةُ مِن العقوبات، والفوزُ بالخيرات، وما فيه أحسنُ العواقِبِ ورفع الدرجات.
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، وقال سبحانه (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) ، وقال سبحانه عن المُكذِّبين: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله تعالى لما ذكرَ قصصَ كثيرٍ من الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – في سُورة الشعراء، ختَمَ القصةَ بعد نجاةِ رُسُلِه والمُؤمنين معهم بقولِه تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) وفي قولِه تعالى في قصة قومِ لُوطٍ – عليه السلام -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).
وأردف فضيلته أن المُعتَبِرُين المُتفكِّرين الذين يقتَدُون بأهلِ الصلاحِ والإصلاح، ويترُكُون أهلَ الفسادِ والإفسادِ، هم المنتفعون وأما مَن لا يعتَبِرُ ولا يتَّعِظُ، ولا يُحاسِبُ نفسَه، ولا يعمَلُ لآخرتِه، ولا يحجُزُه دينٌ ولا عقلٌ عن القبائِحِ والآثامِ فهو كالبَهِيمةِ، قال الله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) وقال تبارك وتعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) وفي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم «إن المُؤمنَ إذا مرِضَ فأصابَه السُّقمُ ثم ماتَ، كان كفَّارةً لذنُوبِه فيما مضَى، وإن أعفَاهُ الله مِنه، كان كفَّارةً لما مضَى وموعِظةً لما يُستقبَل، وإن المنافِقَ إذا مرِضَ ثم أُعفِي، كان كالبَعيرِ عقَلَه أهلُه ثم أرسَلُوه، فلم يَدرِ لِمَ عقَلُوه ولا لِمَ أرسَلُوه».
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن ذكَرَ الله سِيرةَ الأنبياء والمُرسَلين، وخاتَمُهم نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلا لنَعتَبِرَ بتاريخِهم، ونقتَدِيَ بهَديِهم وأخلاقِهم، ونسلُكَ طريقَهم، وقد أمَرَ الله نبيَّه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بالاقتِداءِ بهم، فقال – سبحانه -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ، وقال تعالى عن مُؤمنِ ياسِين: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) .
وخاتِمُهم نبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – الذي نسَخَ الله به الشرائِعَ كلَّها، وبعَثَه بأكمَلِ دينٍ وتشريعٍ أبَدِيٍّ، وتكفَّلَ اللهُ لمَن تمسَّكَ بهَديِه أن يحيَا حياةً طيبةً في الدنيا وفي الآخرة، وأن يُدخِلَه مع خيرِ خلقِه في دارِ السلام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا).
وتابع فضيلته بالقول كما قصَّ الله تعالى علينا قصصَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمُؤمنين بهم؛ لنقتَدِيَ بهم، ونسلُكَ طريقَ النجاةِ معهم، ونعتَبِرَ بسِيرتِهم، ونعلمَ أحوالَهم، قصَّ الله تعالى علينا أيضًا أخبارَ المُكذِّبِين لهم، والمُعانِدِين للحقِّ، والمُستكبِرين عن اتِّباعِهم، المُؤثِرين للحياة الدنيا على الآخرة، المُتَّبِعين للشهواتِ والملذَّات، لنعتبِرَ بعقوباتِهم، ونتَّعِظَ بما حلَّ بهم مِن خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة، ونحذَرَ مِن اللَّعنةِ التي حقَّت عليهم قال الله تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ]، وقال تعالى في قصَّة بنِي النَّضِير: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، مشيراً إلى تاريخُ الرُّسُل صلواتُ الله وسلامُه عليهم مع المُكذِّبين المُحادِّين لله والرُّسُل يعلَمُها الناسُ، وتعرِفُها الأجيالُ الآخِرُ عن الأولِ، وهي مِن أكبَرِ حُجَجِ الله تعالى على خلقِه في تأييدِ الحقِّ وأهلِه، ومعرفةِ التوحيدِ والدعوةِ إليه، ونَصرِ المُوحِّدين وحُسن عاقِبَتهم، وفي إبطالِ الباطِلِ والشِّركِ، والتحذيرِ منه، وعقوباتِ المُشرِكين المُعرِضين.
وقال الحذيفي إن الاعتِبار بطبائِعِ المخلُوقات، واستِكشافِ حِكَمها وصِفَتها، والتفكُّر في بديعِ صُنعِها، غايتُه وثمَرَتُه توحيدُ الله عزَّ وجل وعبادتُه وطاعتُه، فهو المُتفرِّدُ بالخلقِ وهو المعبُودُ بحقٍّ، قال الله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) ، وقال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) ، وقال -عزَّ وجل-: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) مضيفاً أن التفكُّرُ في مخلُوقاتِ الله عبادةٌ مِن المُسلم، والاعتِبارُ بهذه المخلُوقات يَزيدُ المُسلِمَ إيمانًا، ويَزيدُه رُسُوخًا في اليقين، قال الله تعالى:(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) فالتفكُّرُ والاعتِبارُ يُثبِّتُ المُرتاب، ويُحيِي القلوبَ، ويُنوِّرُ البصائِرَ، ويُقيمُ السُّلوكَ، والإعراضُ عن التفكُّر والاعتِبار يُقسِّي القلبَ، ويُورِثُ الغفلةَ، ويقُودُ إلى النَّدامة، ويُوقِعُ في المعصِيةِ؛ فالغفلةُ بابٌ مِن أبوابِ الشيطانِ عن أبي هُريرة -رضي الله عنه-، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الإسراء: «فلما نزَلتُ إلى السماءِ الدنيا فنظَرتُ أسفلَ منِّي، فإذا أنا برِيحٍ وأصواتٍ ودُخانٍ، فقُلتُ: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه شياطِين يحرِقُون على أعيُنِ بنِي آدم لا يتفكَّرُوا في ملَكُوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأَوا العجَبَ» وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ).
وفي الخطبة الثانية حث إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين على محاسبة النفس والنظر في عواقب الأمور وحلول الأجل مبيناً أن مَن كثُر اعتِبارُه قلَّ عِثارُه، ومَن حذِرَ المعاصِي والآثام عاشَ في سلامٍ، ووُفِّق لحُسن الخِتام، والسعيدُ مَن اتَّعَظَ بغيرِه، والمغبُونُ مَن وُعِظَ به غيرُه.
وأوضح الحذيفي أن الله تعالى ذم اتباع الأهواء وعدم الاعتبار والاتعاظ مما سبق من الأنباء، قال الله تعالى: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ).
وختم فضيلته بالقول إن لله سبحانه وتعالى سُننًا في الثوابِ والعقابِ؛ فمَن صادَمَ سُننَ الله سحَقَتْه واضمَحَلَّ، وانحَطَّ وذَلَّ، قال الله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) وفي الحديثِ: «أكثِرُوا ذِكرَ هاذمِ اللذَّات الموت».فمَن ذكَرَ الموتَ حسُنَ عملُه، ومَن نسِيَ الموتَ ساءَ عملُه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.