منذ زمن بعيد ونحن نعاني من مشكلة «تصريف»، ولعل أمطار الرياض الأخيرة وسيول الجنوب وما سبقها من أحداث مماثلة في الغرب والشمال كشفت أمورا خافية لم يتم طرقها ولم تكن في الحسبان، لذلك كانت آثارها سلبية وألحقت الكثير من الضرر بالمواطنين والمقيمين وممتلكاتهم. كثير من هذه المناطق لا تزال تئن تحت وطأة السيول، ولم تجد المحاولات والجهود التي تبذلها جهات رسمية لتفادي الضرر نفعا؛ لأنها لا تعدو كونها «مسكنات» سرعان ما سيعود الوضع لما كان عليه في حال توقفها أو انقطاعها. السيول الأخيرة حصدت الكثير من الأرواح، ولا تزال «فاجعة جدة» حاضرة في الأذهان وستبقى شاهدا على الفساد الإداري والاستغلالية واللامبالاة، ولم يكن ليخفف ذلك سوى التدخل الملكي الحازم الذي أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، وكان له بالغ الأثر في أنفس المتضررين وغيرهم. عودا إلى الرياض، فما تعرضت له العاصمة قبل أيام لم يكن مستغربا خصوصا أن 70 % منها ليست مغطاة بشبكات تصريف السيول؛ وهو ما دفع مسؤولين في الأمانة والمجلس البلدي إلى تبرئة أنفسهم وتوجيه اللوم مباشرة إلى وزارة المالية التي لم تلتفت إلى هذه المشاريع المهمة، رغم الطلبات المتكررة منذ ما يزيد على 15 عاما، بحسب الأمير عبدالعزيز بن عياف أمين الرياض، الذي طالب بإدراج مشاريع جديدة لتصريف السيول لمواجهة الوضع المتردي، فأكثر من ثلثي الرياض ليست مغطاة بالتصريف، وتنفيذ ذلك على وجه السرعة بات أمرا ملحا حتى لا تقع حوادث كارثية خلال الأعوام المقبلة. الأمطار الأخيرة التي هطلت على البلاد كشفت هشاشة البنى التحتية فيما يتعلق بالأمطار، وبدا كثير من المناطق غير قادرة على استيعاب الكميات الكبيرة من المياه، وأظهرت الحاجة الماسة إلى ضرورة إيجاد آلية مناسبة للتعامل مع الكوارث، وتوجيه الشركات والمكاتب الاستثمارية بتوخي الدقة ومراعاة الظروف البيئية المتغيرة في عمليات التخطيط والتنفيذ، وضرورة الوقوف الحقيقي من مؤسسات الدولة لمنع التربح من هذه المشاريع على حساب المواطن والخدمات المقدمة له.