الأمواج تتلاطم عن يميني وشمالي، والماء يرفعني عاليا ثم يخفضني، أنظر إلى الشاطئ ثم أعود إلى قعر البحر، أرغب في الخروج من البحر، لكن البحر أقوى مني، أرغب في النجاة، لكن الأمواج تلعب بي يمنة ويسرة، أنا ماهر في السباحة ومبدع في الغوص، لكن الأمواج هي التي تُسيرني وتُحركني، وأنا الآن بين الأمواج والعواصف تلعب بي كيف شاءت. إن الحال السابقة هي حال شابنا اليوم، إلا أنهم ليسوا في البحر، وها هي أمواج الموضة تقودهم غربا، وأمواج التفحيط تذهب بهم شرقا، وأمواج المعاكسات شمالا، وأمواج الجرائم الأخرى جنوبا، وكلما أراد أحدهم الاستقرار في مكانه هبت عليه عاصفة شيطانية فلم يستطع مقاومتها فأثرت في سلوكه وتعامله. إن الشباب اليوم يعانون من غزو القريب قبل البعيد، يعانون من الغزو الاجتماعي قبل الفكري، فإذا استجاب شاب من شبابنا للموضة ولبى طلبات عدوه البعيد، هجم عليه موجه أو مربٍ أو مصلح بالسب والشتم والتهزئة، فازداد حبا لعدوه وازداد كرها لناصحه، وإذا بالعواقب تنتكس عكسا لما نريد والنتائج تأتي ضدا لما نسعى إليه. أحبتي الكرام: هل يليق بالمنقذ أن يعاتب الغريق على غرقه قبل أن ينقذه؟ وهل يحسن أن يرشده لحظات الإنقاذ، أم أن العتاب والإرشاد يأتيان بعد ذلك؟ إن شبابنا يتخبطون في الظلمات، وترمي بهم أمواج العدو في كل جانب، والموجهون ينظرون إليهم نظرة قاسية، ويتعاملون معهم كما يتعاملون مع الحكماء وكبار السن ممن عرفوا حقيقة الدنيا وأهلها، وصحيح أن الشباب تنقصهم الخبرة والمعرفة والحكمة، لكن أغلب الموجهين تنقصهم أساليب التقويم الراقية التي تتماشى مع عصرنا الحالي. ولهذا فإنني أنصح الجميع باحتواء شبابنا؛ فنحن أولى بنشاطهم، وأولى بعطائهم، ومجتمعنا أحق بجهودهم، ولنحذر كل الحذر من أن نكون نحن سببا في انحرافهم وبعدهم عن الخير والفضيلة.