يعكف العديد من الشباب على توجيه طاقاتهم نحو أعمال تطوعية ذات حدود وإطارات دينية ابتداء من العناية بالمساجد ونظافتها، وانتهاء بإماطة الأذى عن الطريق كتوجيه نبوي، ويكرس مفهوم التطوع لدى الطفل الصغير، ولدى الفرد المسلم منذ وقت مبكر، لتنشأ هذه الثقافة متزامنة وخدمة الدين منذ نعومة الأظافر، ولكن العديد يرفض تماما حصر هذه الأعمال التطوعية في ما قد يجعله البعض حدودا مفترضة، يجب أن يلتزم بها الجميع لكي يصبحوا ممن ينضوون تحت مظلة العمل التطوعي.. نحاول هنا أن نضع معلما يمكن أن يفهمها القارئ ليبدأ من هذه اللحظة، مستثمرا طاقته نحو ما يمكن أن يسهم من خلاله في بناء ذاته وبناء أخيه الإنسان، سنسلط الضوء على مفهوم التطوع وتطبيقاته في المجتمع، وكيف ينظر إليه من جهة الفرد والجماعة: نشاطات ملحوظة يبدأ همام الجريد أحد الناشطين في العمل التطوعي بتوضيح مشاركاته التطوعية في الإنشاء والانضمام إلى عدد من الأندية التطوعية، ويرجع الفضل بعد الله إلى انتشار ثقافة العمل التطوعي ولو بصورة نسبية إلى الناشطين في هذا العمل في مدينة جدة، حيث برزت الأعمال التي قام بها بعض الشباب إعلاميا، ومن خلالها انخرط العديد منهم سواء في المنطقة الوسطى أو الشرقية في تأسيس فرق وأندية تطوعية تقوم على خدمة الدين ومن ثم الوطن، وأكد الجريد أن انتقال التطوع من مفهوم ضيق وهو حصره في حدود بعض الأعمال كجمع التبرعات وتوزيع الوجبات على الصائمين في رمضان، ليشمل أعمالا أخرى تخدم المجتمع كسد الحفر التي تزعج المارة أو السائقين في الشوارع، والتي قام بها مجموعة من الشباب في جدة، إيمانا منهم بأنهم يستطيعون أن يقوموا بدور إيجابي تجاه مجتمعهم، وبارك الجريد الخطوات التي يقوم بها نادي أصدقاء الأيتام في الرياض كنادٍ نموذجي استطاع أن يفهم الروح الإسلامية ويطبقها عمليا، من خلال برامجهم شبه الأسبوعية التي تستهدف الأطفال الأيتام ومحاولة دمجهم في المجتمع من خلال التواصل مع الجمعيات المختلفة وتنظيم اللقاءات التي يحضرها بعض من وجهاء المجتمع، ليقوموا بجزء من الدور المفترض أن يقوم به كل أحد تجاه هؤلاء الأيتام. تنظيف المساجد ويؤكد الجريد أن مثل هذه الأعمال التطوعية والتي حرص على تقديمها بشكل مستمر أسهمت في تشكيل شخصيته واستفاد منها بشكل كبير، وأضاف: “لم أنس تلك الجهود التي كان يقدمها زملائي في تنظيف دورات مياه المساجد المنتشرة في الطرق السريعة، فقد كانت تجربة رائعة وأسهمت تماما في تغيير بعض القناعات التي كنت أحملها تجاه العمل التطوعي، ولم يخف إعجابه بما وصل إليه الشاب المسلم من وعي كبير تجاه الأعمال التطوعية، وهذا ما يفسر السعي الحثيث نحو إنشاء الأندية التطوعية، ومحاولتها لاستقطاب الشباب، وتنظيم أعمالهم وتوجيهها التوجيه الأمثل، وتمنى في ختام حديثه أن تكون هناك تسهيلات كبيرة خاصة للمجموعات الشبابية التي يظهر تماما التزامها بالأنظمة واللوائح، وأمّل الجريد أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية ذات دور فاعل في هذا التنظيم وكذلك وزارة الشؤون الإسلامية لارتباط التطوع واقترانه بالثواب الأخروي أكثر من الثواب الدنيوي، ودعا الجريد الشباب إلى الانخراط في العمل الخيري والتطوعي معتبرا إياه ب (المستر كي) أي المفتاح نحو الحصول على الوظيفة والخبرة والتجربة التي ستحالفها النجاح تماما. احتواء الأزمات من جانبه اعتبر الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري الأستاذ بجامعة الملك سعود أن الدين الإسلامي في مفهومه الشامل يحث على الأعمال التطوعية طلبا للأجر من الله في الآخرة بالدرجة الأولى. ومن أدلة ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى في وصفه لعباده المؤمنين:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْما عَبُوسا قَمْطَرِيرا (10))[سورة الإنسان 8-10] . فعمل هؤلاء المؤمنين كان تطوعيا لوجه الله خالصا، لا يريدون من الآخرين جزاء بمعنى مقابل، ولا يريدون منهم شكرا على هذا العمل؛ ولذلك أحسن الله عاقبتهم في الآخرة فقال: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَة وَسُرُورا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّة وَحَرِيرا(12)). وهناك آيات كثيرة أخرى تدل على هذا المفهوم في القرآن الكريم وتؤكده لأهميته في سلامة المجتمع، ولا سيما عندما تدهمهم الكوارث والحروب فإن المجتمع يكون أحوج ما يكون إلى المتطوعين بين أفراده لمواجهة الأزمات من الجوع والمرض والفقر والعُري والبرد وغيرها. ويضيف: “شاهدنا الكثير من الأزمات التي وقفت فيها الحكومات والدول عاجزة أمام مواجهة بعض الكوارث، وكان للأعمال التطوعية من قبل الأفراد بالدرجة الأولى والمؤسسات الخيرية قصب السبق والمبادرة إلى احتواء هذه الأزمات وفعل ما ينبغي فعله لمواجهتها وسد حاجات الناس المتضررين منها”. دعوة ب (الإغاثة) وبين الشهري أن الآيات التي تؤكد هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وقوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون، وهي كلها تظهر مدى عناية الإسلام وحثه على الأعمال التعاونية التطوعية التي تؤدي إلى الترابط بين المسلمين جميعا دون تفرقة، بل إلى التعاون بين المسلمين وغير المسلمين في أعمال البر مثل إغاثة الملهوفين والمنكوبين؛ ما كان سببا للتحول عن الدين، فكثير من المنظمات غير المسلمة تستغل حاجة المنكوبين وتدعو المسلمين إلى اعتناق أديانها بواسطة الإغاثة. وقد يقع مثل ذلك للمنظمات الإسلامية وهي تقدم العون والمساعدات للمتضررين فإن كثيرا منهم قد يدعوه حسن تعاملها، وعدم استغلالها لجراحهم إلى الدخول في الإسلام، وهذه جبلة وفطرة في النفوس أنها تحب من أحسن إليها.