هل كان يعي من وضع إعلان «صوتك أمانة» في الشوارع يدعو المواطنين للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية، أنه يدين المجالس البلدية من حيث لا يعلم؟ ويكرس في داخل المواطنين وعيهم، وصحو ضمائرهم؟ ف«صوتك أمانة» هذه العبارة البسيطة أشبه ما تكون بصدمة كهربائية، لعقولنا، وضمائرنا، ووعينا، فهي التي تعلمنا ألا نستخف بأصواتنا، وأن نعطيها الحجم الحقيقي لها، فحجمها الحقيقي هو ألا تلقي بصوتك في صندوق للاقتراع وأنت تعلم جيدا أنه سيكون سببا في فوز مرشح ما لن يقدم لك إلا صورته في الإعلانات، ووجاهته الاجتماعية، و«هياطه» الزائف وغير المجدي. من كان لا يدرك أن صوته أمانة عليه أن يطرح على نفسه سؤالا بسيطا جدا في متناول اللسان: ماذا فعل لنا مرشحونا حينما جئنا في المرة الأولى وأعطيناهم أصواتنا وثقتنا، وأحلامنا، وكلنا أمل أن يقدموا لنا شيئا على أرض الواقع؟ وأكاد أجزم بأنه بعد أن أدلينا بأصواتنا جميعا لم يعد يربطنا بمرشحينا إلا ذكريات بلهاء، وعبارات بائسة نحملها في مجالسنا نرددها دوما قائلين «هذا مرشح رشحته في الانتخابات البلدية». إن تكرار هذه العملية بنفس طقوسها، ونفس آلياتها، ونفس نتائجها، يعني بالدرجة الأولى أننا لم نفهم الدرس جيدا، ولم نع أن أصواتنا تلك لم تثمر قط، فالتجربة الأولى لأعضاء المجلس البلدي كانت فاشلة بجميع المقاييس، لأننا انتخبنا أناسا لم يقدموا لنا ما كنا نطمح له، ولم يقدموا لأنفسهم ما يشفع لهم بأن نراهن مرة أخرى على أصواتنا وعليهم، ولم يقدموا للتاريخ شيئا أيضا، إنهم يشبهون إلى حد كبير تلك «الفزاعة» التي تبعث الرهبة في دواخل الطيور من بعيد، لكن الطيور حينما تقترب منها تدرك أنها مجرد «خشبة» ألبسوها نوعا مهترئا من الملابس! «معليش» فأنا لن أنتخب أحدا هذه المرة، لأنني بكل بساطة أحترم نفسي، ووعيي، وضميري، حتى وإن جاء مرشح ما وأقسم لي بأنه سيحترم كل مطالبي!