مبادرة تمويل الأفلام تكشف عن دعم 32 مشروعًا بقطاع الأفلام وتلتزم بضخ 279 مليون ريال    الفلبين : خمسة قتلى جراء الزلزال    معاناة الاتحاد تتواصل بالخسارة أمام شباب الأهلي    فريق "قوة عطاء" ينفذ مبادرة "التوعية بأضرار الحشرات الموسمية"    جازان.. أرض التنوع والتعايش المجتمعي    تعاون أوكراني أوروبي في مجال الطائرات المسيرة    القبض على يمنيين لتهريبهما (260) كجم "قات" في جازان    نتنياهو: خطة ترمب تحقق أهدافنا في الحرب    الدمام تحتضن دورة التحكيم الأولى لكرة القدم المصغّرة بمشاركة 24 حكمًا مستجدًا    6 أشهر سجن و100 ألف غرامة لممارس صحي مزور    25 ألف قرار إداري بحق مخالفي الأنظمة    مدرب النصر يكشف سبب غياب رونالدو عن مباراة الزوراء في العراق    الأمير سعود بن نهار يبحث جهود تعزيز هوية العمارة السعودية بالطائف    الأخضر السعودي يخسر أمام كولومبيا في مونديال الشباب    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم مفتى المملكة الراحل على أحد شوارع الرياض    السعودية تترأس أعمال الدورة الثانية لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الرابعة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة    جامعة الأميرة نورة تُشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025    وزير العدل يوجّه بإطلاق خدمة إصدار وكالة لقطاع الأعمال    ملتقى مآثر ابن صالح.. خطوة نحو الإعلام الحديث    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    ميزانية السعودية 2026 تتوقع نفقات 1.31 تريليون ريال وإيرادات 1.14 تريليون ريال    توقيع 5 اتفاقيات استثمارية بين السعودية وفيتنام    الرياض تستضيف بطولة آسيا للياقة البدنية الوظيفية 2025    الرِّفقُ في القيادة.. صناعةُ الولاء وبعثُ الإبداع    المملكة تؤكد التزامها بقيادة الابتكار المسؤول في الذكاء الاصطناعي خلال اجتماع وزراء مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا    أمير جازان يستقبل مدير مركز جمعية الأطفال ذوي الإعاقة بالمنطقة    أمير الشرقية يشيد بتنظيم احتفالات اليوم الوطني ويطلع على تقرير هيئة الأمر بالمعروف    من أصالة التراث إلى أفق المستقبل... المملكة تقود حراك الثقافة الاستثمارية    الرزيزاء: تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر خطوة محورية في مسار تطوير السوق العقاري    النائب العام يستقبل سفير قرغيزستان لدى المملكة    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي للتوعية بأمراض القلب    "هدية" تطلق معرض "تاريخ مجيد في خدمة ضيوف الرحمن"    ابن معمر: المملكة تضع الترجمة والابتكار في صميم رؤيتها الثقافية والتنموية    يحيى بن جنيد شخصية العام التراثية في احتفالية يوم المخطوط العربي 2025    "طبية" جامعة الملك سعود تسجّل براءة اختراع لأداة فموية متعددة الوظائف    الأمين العام لمجلس التعاون يُرحِّب بخطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الأزمة في قطاع غزة    افتتاح معرض "صوت التناغم" الصيني بالمتحف الوطني السعودي في الرياض    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    الصدر يحذر من انفجار أسلحة الميليشيات    بكين تقترب من إقناع واشنطن ب«عزل تايوان»    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    جذب الشركات العالمية للقطاع الثقافي.. «الثقافة» توقع مذكرة تفاهم مع «دويتشه» لتنمية المواهب    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    تكريم الفائزين بجائزة «صيتة» في الزلفي    المعلم أولًا..    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وظيفة في البحر الميت
نشر في شبرقة يوم 21 - 03 - 2009


وظيفة في البحر الميت

علي بن يحيى الزهراني*
** استيقظ الشاب باكرًا (كالعادة).. قبّل يديّ أبيه.. وراح يقصّ عليه تفاصيل حلمين أفزعا ليلته الباردة! رد الأب بتشنّج: حلمان لا تحلمهما.. الحلم السياسيّ، وحلم الوظيفة.. الأول يكسر وسطك، والثاني يكسر قلبك!!
** قَبَرَ الشاب كل (التفاصيل) في جوفه كحانوتي بارع، وهو يذرع الممرات المستطيلة إلى اختناق الحلم (لا توجد وظائف)! وكالعادة سيقان الملح لا تنبت وردًا في الصحارى القاحلة، ويبقى الملف مترمدًا في العروق!!
** عند كل بوابة موصدة كان يترك شيئًا من أثر الحلم (المتعب)، ومواعيد في الهواء الطلق (بالاتصال). حيث تطلع الوظيفة من مغربها!!
** يعود (ثانية)... و(تسعين) للبرد.. للحلم المفزع.. ويبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى ساحة الشمس للعصف والريحان!!
** (أحدهم) يقبر وجهه بين قدمي (وافد) ليجد قوت يومه!
و(أحدهم) يسوّق هويته في كف (مقيم) كي يقبض قيمة ستره! و(أحدهم) يمد قلبه فوق يده، وهو يتسوّل الانكسار! و(أحدهم) يكسر وجهه لتسطو يده! و(أحدهم) يتعفف قهرًا فتتقاذفه الريح والأرصفة! وأيًّا كانت مفارقات الوجوه.. فإن هذا (الأحد) يمثّل بكل أحداثه ونتائجه شيئًا من حصاد الهشيم، وأشياء من رماد الحلم (الوظيفة)!!
** نسمع عن بعض حكايا البحث عن وظيفة، فتثير فينا الدهشة إلى حد النخاع! منها ما نقلته بعض الصحف من أن 170مواطنًا، بينهم جامعيون يتنافسون على وظيفة (عامل نظافة). وقبلها قرابة ألف مواطن، بينهم جامعيون تنافسوا على سبعين وظيفة عامل نظافة، وحرّاس، وسائقين في إحدى الإدارات إلى درجة أن مدير شؤون الموظفين في تلك الإدارة كان يرفض استقبال المزيد من الطلبات، معلّلاً (بأنه حرام كسر خواطر شبابنا الجامعي على هكذا منوال)! وما يحدث في هذه الإدارة أو تلك يحدث في الكثير من الإدارات التي يشم فيها شبابنا مجرد (ريحة) وظيفة واحدة تفوح من بين جدران تلك الإدارة.. إنهم يتسابقون عليها كفريسة يفوز بها أعداد أصابع اليد الواحدة، ويتكسّر دونها المئات!!
** ولا أحد يقول إن شبابنا غير مؤهل، أو شبابنا ليست فيه (الجديّة) الكاملة، أو أنهم غير منتجين.. تلك أسباب كنّا نسمع عنها كثيرًا، وكنّا نقتنع بها أكثر، أمّا اليوم فإن الواقع يقول شيئًا غير هذا! وتابعوا شبابنا وهم في ميادين العمل، وبالذات القطاع الخاص، ستدركوا أن المسألة ليست أكثر من (إقصاء) مهذّب للسعودي عن دائرة العمل والإنتاج! والدليل كل تلك المبررات والمواصفات التي يضعونها في طريق الشاب السعودي.. وكأنهم يريدون شبابًا من طراز نادر، لا يكاد يكون إلاَّ أن يهبط إليهم من السماء!!
** يقول شاب سعودي يعمل في سوق خضار: رغم أن المحل باسم سعودي، إلاَّ أنني في حقيقة الأمر لستُ أكثر من مجرد أجير يتقاضى أجره عند نهاية كل نهار من وافد هو المالك الحقيقي للمحل، ومع ذلك أنا راضٍ بالعمل في أي مكان طالما أنني أجد فيه رزقي. فقد نسيتُ شيئًا اسمه الوظيفة من كثرة مطارداتها. وشاب جامعي يقول: خمس سنوات وأنا أبحث عن وظيفة.. أيّ وظيفة.. لا أريد قبضة صولجان (الباشا)، ولا لوحة الذهب التي ترصّع مكتب البيه (المدير). وفي النهاية أنا هنا أبيع خردوات عند مجموعة من المقيمين.
** أحاديث الشابين تمثّل انكسار الذات الذي عبّر عنه أحد المسؤولين ذات يوم من أن هناك شيئًا من واقع شبابنا، وهم يعملون عند مقيمين داخل أسوار الوطن!
** وآلمني أن أبوين اعتذرا عن حضانة طفلهما ذي الستة أشهر بسبب تردّي حالتهما المادية. فالأب الكفيف لم يجد وظيفة، وأعيته الحيل في أن يجد فرصة عمل واحدة.
** وأرملة تبيع الحناء على الرصيف، وقد وضعت شهادتها الجامعية في دولاب المطبخ، بعد أن حفيت قدماها من مطاردة الشبح المجهول. وتضحكنا وهي تصف محاربات زميلات الرصيف لها، ومطاردات البلدية.. لكنها تصبح وجهًا مألوفًا بعد أن تقرّبت إليهنّ، وأصبحت عضوًا مشاركًا في ثرثرات أحداث 24 ساعة، بدءًا من الأزمة المالية العالمية، وانتهاءً بالملف النووي لكوريا الشمالية. ورغم أن إرادتها هي اكتساب رزقها من عرق جبينها، إلاَّ أنها تتحسر كثيرًا كلّما عادت إلى بيتها، وقلّبت شهاداتها!!
** وقصص البحث عن وظيفة أصبحت من الهمِّ المجتمعيِّ الذي تكاد تلقاه، أو تسمع عنه في كل بيت.
** أمّا الغريب، بل والأغرب من الغريب، فإنه في الوقت الذي يذبحنا هذا الهمّ من الوريد إلى الوريد، لا يتورّع بعض مسؤولينا الأفاضل عن التصاريح الرنانة، التي تُوحي لك بأن هذا الهمّ لا يوجد إلاَّ في مخيّلتنا نحن.. أمّا في الواقع فإن شبابنا يكادون يُصابون بتخمة الوظائف!!
** فقط خلال أيام، وفي جريدة واحدة، قرأت أكثر من تصريح لأكثر من مسؤول.. خذوا منها هذه العناوين البرّاقة إن شئتم:
- توظيف خريجي الكليات والمعاهد الصحية خلال 3 أسابيع. - اعتماد 12 ألف وظيفة طبيّة وفنيّة وإداريّة. - 215,750 وظيفة شاغرة في وزارة الخدمة المدنية. - توفير 9 ملايين فرصة عمل خلال 25 عامًا. - وظيفة لكل باحث عن عمل والتوسع في التدريب المنتهي بالتوظيف للمرأة. سأكتفي بهذا حتّى لا أصدّع رؤوسكم أكثر ممّا هي مصدّعة، ولكم أن تقارنوا أنتم بين (كم) هذه التصريحات و(حقيقة) ما يجري على الأرض. وعلينا أن نكتشف ماذا يريد مسؤولونا بهذه التصريحات؟ وهل هي تلميع أنفسهم، أو تلميع الحال؟ أم هي محاولة التخفيف من حدة المشكلة في نفوسنا نحن؟ ولن يكون هذا مقبولاً على أيّ حال، فمَن يحس المعاناة ليس كمَن يتحدث عنها بنرجسية. فمَن يا تُرى يُغرّر بمَن؟! وإذا كان هناك هذا (الكم) الهائل من الوظائف فعلاً فليقولوا لنا أين؟!
__________________________
* كاتب بصحيفة \"المدينة السعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.