المملكة تعزّي لبنان في وفاة وإصابة عددٍ من أفراد الجيش    علاقة ود تربط السعوديين بقراءة الكتب    «موانئ» تحقق ارتفاعًا بنسبة 12.01% في مُناولة الحاويات خلال يوليو 2025    أسعار النفط تحت وطأة شائعات السلام وحرب التعريفات    الغاز الطبيعي يشهد تحولات عالمية    السويسرية أليشا ليمان: وجدت جمهور كأس العالم للرياضات الإلكترونية مايماثل حماس كرة القدم    الفرنسي"إينزو ميلوت"أهلاوياً ل 3 مواسم    ستة قتلى من الجيش اللبناني جرّاء انفجار ذخائر من مخلفات إسرائيلية    ألتمان وماسك يشعلان سباق الذكاء الاصطناعي    اصطدام منطاد بسقف مدرسة    النفط ينهي تداولات الأسبوع بخسارة 5 % وسط وفرة العرض    فيصل بن فرحان يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني    الخليج يدعم صفوفه بالعمري    قادماً من ليفربول "داروين نونيز"هلالياً ل 3 مواسم    الفتح يواجه أتلتيكو مدريد ودياً    القبض على يمني وإثيوبي في جازان لترويجهما (9) كجم "حشيش"    مساعدات المملكة.. نبعٌ لا ينضب    إقامة «حوكمة التطوع» في الشرقية    إعادة استجابات التوحدي بالذكاء الاصطناعي    فرص موسيقية واعدة بموسم الرياض    خطيب المسجد الحرام: تعاونوا على مرضاة الله فهي غاية السعادة    إمام المسجد النبوي: الأمن من الخوف سكينة تغمر الحياة    قرص يومي لإنقاص الوزن    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يعيد "مسنة" مصابة بكسر متفتت بالعمود الفقري إلى حياتها الطبيعية    تشخيص وعلاج أمراض وراثية نادرة في طبية مكة    إكرام الضيف خلق أصيل    تحت رعاية الملك.. انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن    النفط الجديد من أجسادنا    النصر ينتظره.. برشلونة يؤكد رحيل إينيجو مارتينيز    في عام الحرف اليدوية.. المعدن ينطق فناً    المملكة تعزي لبنان إثر وفاة وإصابة عدد من عناصر الجيش    كاسيت 90 تعود بأصوات التسعينات إلى جدة    تهنئة سنغافورة بذكرى اليوم الوطني    سفير اليابان يزور المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    المنتخب السعودي يتأهل إلى الدور الثاني من بطولة العالم للناشئين لكرة اليد    الشمّام يُحلّي صيف المملكة بإنتاج وفير يتجاوز (63) ألف طن سنويًا    اجتماع قطري - أمريكي في إسبانيا لبحث خطة شاملة لإنهاء حرب غزة    تحذيير من استمرار الأمطار الرعدية على مناطق عدة    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس (48) مشروعًا تنمويًا لمنظومة "البيئة" بالمنطقة بتكلفة إجمالية تتجاوز (4.4) مليارات ريال    طالبة من "تعليم الطائف" تحقق الميدالية الفضية عالمياً    نجاح أولى عمليات "برنامج الاستمطار" شمال شرق الرياض    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    معجم الحيوان الأليف عند العامة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    انقسام إسرائيلي حاد حولها.. تحذيرات دولية من «خطة الاحتلال»    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخوف من الآخر
نشر في شبرقة يوم 01 - 03 - 2009


الخوف من الآخر
أ.د. صالح الزهراني *
الثقافة البشرية ثقافة متعددة ومختلفة، والفطرة الإنسانية تعلِّمنا أن الإنسان مدنيٌّ بطبعه، ميَّالٌ إلى البحث عن المعرفة، محبٌّ للوقوف على خبرات الآخرين؛ ليضيفها إلى خبراته. والقرآن الكريم يعلمنا منهجية السير في الأرض، وتأمَّل آيات النفس والآفاق، والتعارف والتعرُّف؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها كان أولى الناس بها. والأمم تتعرف وتتثاقف، ولم يوجد، ولن يوجد على سطح هذا الكوكب من يقول: إنه مكتفٍ بما لديه، غير محتاج إلى ما عند الآخرين من الأفكار النيِّرة، والأشياء المفيدة. وبهذا يتطور الوعي، وتتقدم المعرفة، وتسود الحضارة. والأمة الإسلامية لم تنعزل عن الأمم الأخرى، فقد أفادت من الثقافة اليونانية، والهندية، والفارسية، كما تفيد اليوم من الثقافة الغربية. والمشكلة التي نعاني منها اليوم ليست في شرعية المثاقفة، ولكن في منهجيتها، فالمثاقفة ضرورة حياة، وإمكانية تعايش كما يقول الغذامي. لقد تثاقفت الثقافة العربية قديمًا، وهي ثقافة غالبة قادرة على الفرز، والاختيار، واليوم تتثاقف، وهي ثقافة مغلوبة، منبهرة، عاجزة عن الانتقاء، مقلِّدة؛ لأن المغلوب مولع بتقليد الغالب كما قال ابن خلدون. والمشهد الثقافي العربي الراهن يتأسس على ثلاثة أصناف:
1- انكفائيٌ على ذاته لا يرى في الآخر سوى الجحيم.
2- ارتمائيٌ في أحضان الآخر لا يرى في ثقافته قدرة على البقاء.
3- توفيقي يوائم بين فكرتين ذات فلسفتين مختلفتين.
وهذه الأصناف الثلاثة لا تخرج عن شخصيتين: إما مستلبة منبهرة، وإما عائلة مستكبرة. وكلاهما شخصيتان خائفتان من مواجهة الذات، أو من مواجهة الآخر. الأولى خائفة من ذاتها؛ لأنها تعيش هزيمة داخلية، فهي لا تثق في جهازها المعرفي، وتعتقد أنها الخاسرة في المواجهة، فاختارت الانكفاء؛ لأنه أسهل الحلول.
وهذه الشخصية ضحية فكرتين: (داخليَّة ميِّتة) أو (خارجيَّة مميتة)، داخلية ميِّتة؛ لأنه ليس كلُّ ما في تراثنا صالح لأن يكون دعامة وجود، ودليل استقلال. وهذه الشخصية -في الغالب- هي شخصية كثير من خريجي الجامعات التقليدية في عالمنا العربي والإسلامي. وخارجيَّة مميتة؛ لأنها غير صالحة في بيئتها الأصلية، فمن الأولى ألا تكون صالحة في بيئتها الجديدة.
هذه الشخصية شخصيةُ كثيرٍ من خريجي الجامعات الغربية المسحورين بالثقافة الغربية، الكافرين بثقافتهم التي لم تحسن المؤسسات الثقافية تقديمها لهم.
والأخرى خائفة من الآخر، لديها إحساس طهوري، وفكرٌ وثوقيٌّ، يرى أن الحق هو ما تعتقد، والصواب هو ما تقول، والباطل ما يعتقد الآخرون، والخطأ ما يقولون.
والآخر عندها عدوٌّ صائل، لا يكتب إلا ليمحوها، ولا يبني إلا ليهدمها، ولا يتقدم إلا لتتخلف. فهي شخصية خائفة متوجسة من الآخر، سيئة الظن به. ولذلك تعجُّ أدبيات هذه الشخصية بنظريات، ومفاهيم فيها قليل من الحق، وكثير من الباطل كالمؤامرة، والغزو الثقافي، والتبعية الثقافية، والإمبريالية الثقافية، والتسميم الثقافي. إن هاتين الشخصيتين نتاج تربية فاسدة، كبَّلت الخيال، وعطلت العقل، وقدمت نماذج مهزوزة، إما خائفة من الآخر، وإما لا تملك القدرة على سبر مواطن العلل، ووصف الدواء الناجع لها، أو لا ترغب في ذلك. إن التدافع الثقافي بين الأمم سنَّة كونية لا تتخلف، ولا تجامل أحدًا، والنوايا الحسنة وحدها لا تكفي ما لم يصحبها قدرة، وإرادة للتحدي، والمواجهة الحضارية وفق شروط العصر، وقوانينه.
الانكفاء على الذات، والارتماء في أحضان الآخر كلاهما ذبول ثقافي، وانهيار حضاري. الانكفاء غير قادر على منع التدفق الثقافي، والارتماء لا يمثل وعيًا، ولا يحقق شهودًا ثقافيًا خلَّاقًا. إننا لا ننكر أن الغرب يسعى للغلبة، وهذا حقُّه انطلاقًا من إيماننا بهذه السنة الكونية، وبمقتضى وعيه، وحرصه على الصدارة يسعى لنشر ثقافته، وحمايتها برأس البندقية. والغرب اليوم غالب، ولابد للغالب أن تمسك لغته، وثقافته بزمام المبادرة، وتسدَّ الفجوات التي توقفت عن ملئها اللغات، والثقافات المغلوبة. لكن الغرب لا يتحمَّل تقصيرنا، وذوباننا فيه، فلا أحد يجبرنا على الانقراض اللغوي والثقافي سوى (الهزائم النفسية) التي عششت في مشاعرنا، وعقولنا. حصوننا مهددة من داخلها كما كان يعبِّر محمد محمد حسين، بعجزنا، وتخلُّفنا، الذي نحمِّله الغرب والشرق، وننسى أنفسنا (ومَا ظَلَمْنَاهُمْ ولَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
____________________
* أديب وشاعر وأكاديمي يكتب في ملحق \"الرسالة\" الذي يصدر أسبوعياً عن صحيفة \"المدينة\" السعودية0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.