"أم عبدالله" سيدة تخطت الستين، أثقلت كاهلها الهموم ونوازل الأيام، وفارقت أحباء وأعزاء لا تملك أمام فراقهم سوى الرضا بقضاء الله وقدره لأن البشر أموات أبناء أموات. لكن فراقاً آخر أقض مضجعها وأنبت الأشواك بين جفنيها، إنه فراق الأحياء فراق كما تصفه أم عبدالله "أشد مرارة وقسوة"، فكيف والحي المفارق فلذة كبد. أم عبدالله فقدت زوجها في حادث سيارة قبل قرابة العقدين من الزمان، وكان رجل صاحب تجارة ورزق واسع، فأقامت أحد إخوة زوجها وصياً على أبنائها القصّر، وليرعى ما ترك أخوه من تجارة كيلا تضيع، لكن الرجل لم يحسن إدارة مال أخيه، فقررت أم عبدالله إسناد الأمر لأكبر أبنائها آنذاك، (عبدالله) لكن القدر كان أسرع ليخطفه الموت كما خطف أباه من قبل، بحادث مروري أيضاً. وما إن بلغ ابنها الثاني رشده حتى سارعت أمه لتوليته مال أبيه الذي ذهب جله، فبدأ الابن يمشي ويتعثر، وينهض ويسقط، لتأتي جائحة الأسهم وتلتهم كل ما بيده، لتكتشف والدته أنه أخذ تسهيلات من البنوك قبل انهيار السوق، ثم أتبعها بقروض ليتدارك خسائره أو بعضاً من رأس المال، لكن شيئاً من هذا لم يحدث. وتضيف أم عبدالله: بدأت تداعيات كارثة الأسهم تكشف الخسائر والديون، فكثر الباحثون عن ابني، فالهاتف لا يهدأ والباب لا يتوقف طُرقه حتى ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وقبل أربعة أشهر خرج ابني من المنزل تحت جنح الظلام ولم نره منذ ذلك اليوم، لكنه يتصل بنا كل أسبوع أو عشرة أيام ليطمئن علينا. وتتابع: كل الذي أعرفه أنه يعمل في مكة أو جدة ويرسل عبر بطاقة صراف لأخته ما يتوفر في جيبه من كسب ليوفر لنا أنا وأخواته وبناته لقمة نسد بها رمقنا، قد تتساءلون لماذا يستخدم بطاقة أخته.. لأن كل حساباته أغلقت ومنع من التعامل مع كل البنوك بأمر من مؤسسة النقد بعد أن صدرت بحقه عدة أحكام مقابل القروض والتسهيلات البنكية التي لم يستطع الوفاء بها. وفي ختام حديثها ناشدت "أم عبدالله" صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد لمد يد العون لابنها وإعادته لأحضانها وهذا أكبر أمل تمني نفسها به فيما بقي من عمرها.