اضمحلت آمال البيروقراطيين المتشربين من ألياف الورق وكثافة الملفات الفاخرة المتراكمة فوق مكاتبهم، بعد أن بدد ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلاته الصحفية استمرار هيمنة ما أسماه ب«البيروقراطية السلبية»، معلنا عداءه لها، وعلى ذلك فقد دشن مرحلة «التحرك المرن والسريع» نحو آفاق أوسع لمستقبل رسمته قيادة البلاد بطموح وتطلع كبيرين. ارتبطت البيروقراطية بمفهومها السلبي في إنجازات المعاملات الحكومية خلال العقود الماضية، حتى باتت تتردد كثيرا في الأوساط المحلية غير المتخصصة، وحملها مواطنون إخفاقات الجهات الحكومية في إنجاز المشاريع والمعاملات الخدمية، وتطرق إليها الوزير الراحل غازي القصيبي في كتابه الشهير «حياة في الإدارة»، قائلا: «البيروقراطية إذا لم تلجم خنقت المواطن العادي المسكين». نظرية فرض القوانين في المجتمعات المنظمة، بطأت في شكلها السلبي من بعض الإنجازات الحكومية، فبناء مكتبة عامة في جنوبجدة استغرق 18 عاما، ما يراه زوارها اليوم بأنها أحد أكثر تجليات «البيروقراطية السلبية» في أروقة المباني الحكومية المنظمة. وجددت خريطة الطريق للمستقبل السعودي في ال15 عاما القادمة، تطلعات المسؤولين الذين سبق أن عملوا في القطاعات الحكومية وعانوا من عدم مرونة الأنظمة، في تخطي التعقيدات غير المجدية، وخلق أنظمة غير متصلبة. وكرر الرجل الثالث في حكومة البلاد مفردة البيروقراطية خمس مرات في اللقاء الذي لم يتجاوز الساعة، وتطلع الأمير محمد بن سلمان للوصول إلى المعنى الإيجابي من المفردة «البيروقراطية السريعة» التي تساعد على اتخاذ القرار وتنجزه في الوقت المناسب. وتطرق المسؤول السعودي الحامل للملف الاقتصادي المعقد والكبير إلى كيفية عمل خادم الحرمين الشريفين منذ توليه سدة الحكم في البلاد في «هز رأس الهرم في السلطة التنفيذية، لكي يتعامل بشكل سريع»، واستشهد بالقرارات السريعة في إنشاء مجلسي «الشؤون الاقتصادية والتنمية والشؤون السياسية والأمنية». ومن اللافت عدم إحاطة مواطنين، اعتادوا انتقادها، بالتفسير العلمي لها، وتحضر سلبية المفردة (ترمز ل«بيرو» إغريقية الأصل وتعني المكتب)، في أذهان السعوديين، إذ تعتقد قطاعات واسعة من مهنيين حديثي العمل أن ترمز لتعقيدات الأنظمة وعدم مرونتها. ويرى عمران سالم (24 عاما) والذي يعمل في البريد السعودي أن البيروقراطية تعني التوغل في تعقيدات الأنظمة، ما يغيب المرونة ويجعل من حركة الإنجاز صعبة ومتعسرة، «الأمر يشبه معاملاتك في وزارة العمل، حينما تبحث عن استقدام عاملة منزلية لأسرتك». فيما يفسر عبدالإله الحسن (إداري في أحد القطاعات الحكومية) «البيروقراطية» ب«البروتوكولات»، بيد أنه يلمح إلى أنها «أنظمة معقدة»، المدهش أن الحسن دافع عنها من منطلق وظيفته، حيث يتهم المراجعون إدارته وطريقة إنجازها للمعاملات المتعلقة بالجمهور بالمفردة ذاتها، ويقول ساخرا «يرددها المراجعون بكثرة، أعتقد أنهم لا يعرفون معناها».