في هذا الزمن العربي المضطرب، حيث يعصف الصخب وتحتدم المعارك وتتشظى المواقف، يعلو صوت الحكمة من الرياض، هادئاً لكنه ثابت، عقلانيّاً لكنه حازم، ينأى عن التهور، ويدعو إلى التروي، ويجنح دوماً نحو السلام. لقد اتخذت المملكة العربية السعودية، عبر تاريخها السياسي، منهجاً راسخاً يقوم على الاتزان في القرار، والمسؤولية في الطرح، والابتعاد عن الانفعال والاندفاع. فحين يعمّ الاضطراب، وتضيع البوصلة، تبادر المملكة إلى لملمة الجراح، لا توسيعها، وإلى رأب الصدع، لا تعميقه، مؤمنة أن السلام ليس خياراً هشّاً، بل موقفاً نابعاً من وعي عميق، ورؤية أخلاقية تحترم الحياة وتدافع عنها. فالحرب -كما نعلم- لا تُبقي ولا تذر؛ إنها عدوّة للإنسان، ومعادية لكل معنى من معاني الحياة، توقد نيرانها الصراعات، وتخلّف وراءها الشروخ النفسية، وتعيق التنمية، وتسد آفاق المستقبل. ومن هنا، لا ترتضي الدول الحضارية هذا المسار، انطلاقاً من التزامها بالمواثيق والأعراف التي تدعو للتعايش وتؤمن بالاختلاف دون احتراب. من هذا المنطلق، ظلت المملكة تحث جيرانها على تبنّي منطق السلام، لا من باب المصلحة الضيقة، بل من منطلق إدراكها العميق لمسؤوليتها الإقليمية والدولية. فهي أرض الطاقة والموارد، نعم، لكنها قبل ذلك أرض القيم والمبادئ، وحاضنة للمُثل العليا، ومصدر لحضارة تحتفي بالإنسان والإنسانية لا تستهلكهما. وقد جاءت رؤية المملكة 2030 لتجسّد هذا التوجّه بعمق حضاري، إذ تسعى لاستعادة الدور الثقافي والتاريخي للمنطقة، وتحويلها إلى "أوروبا جديدة" في الشرق الأوسط، حاضنة للزوار، منفتحة على العالم، هاجسها أن تكون مهوى للسلام، ومنبر للثقافة والتعايش. ويبقى التأكيد على أننا كشعوب تتشارك المصير والحياة بكافة تجلياتها، نؤمن أن المستقبل لا يُبنى على الأنقاض، بل على أساس راسخ من التفاهم والاحترام المتبادل، وعلى قاعدة إنسانية أصيلة: "كلكم لآدم، وآدم من تراب".