حبات الذرة اليابسة (الفشار) تتقافز من شدة تسليط الحرارة على الإناء الحاوي لتلك الحبيبات، وفي الغالب تسقطها خارج الإناء. ربما تكون الصورة ممثلة لما يحدث الآن من تساقط بعض الكتاب من الوعاء.. والوعاء هو الوطن.. وحتى لو كانت القفزة ظرفية أو انفعالية، فعلى القافزين أن يعوا أنهم سقطوا من الإناء وعليهم التريث قبل أن تقرضهم نواجذ شرهة. ربما لا تكون الصور الأدبية ذات جدوى في أوقات الأخطار أو الملمات، إلا أنها تجذب كل ذي لب لمعرفة ما خلف الصورة الظاهرة، فخارطة المنطقة تتهافت يوميا. ومن أراد من أولئك الكتاب أن يبرهنوا على أنهم ناضجون وبسبب ذلك النضج غادروا مواقعهم ليثبتوا حالة بعينها، كأن ينتصروا لفئة دون أخرى، فهذه المواقف استلاب لوعي الكاتب نفسه، وربما يظن الكاتب أنه أكثر دراية فتكون هذه الدراية ناقصة، كونها لا تستوعب ظرفية الحالة الزمانية والمكانية. ولأن الوطن هو وعاؤنا جميعا، سواء كنا سنة أو شيعة أو صوفية أو أي مذهبية يعتنقها المواطنون، فالوجود للفرد من خلال الانتماء الوطني وليس وفق التصنيفات العرقية أو المذهبية أو القبلية.. ومن يخون الوطن نكون جميعا في صدره، سواء كانت الخيانة بالإرهاب والتدمير أو التحريض للتحزب أو مهادنة أعداء الوطن أو انتصار لمذهب على مذهب.. صور كثيرة يمكن للغر أن ينساق إليها، كالمغريات الوقتية أو التاريخية، لكنها لا تبعده عن أمن بلده، فالأمن هو أمن له ولأسرته وأقاربه وأصدقائه، فتقويض الأمن يأتي من خلال الفرقة بين الأفراد. ولهذا تأتي خطورة الكاتب لو تحزب لفئة دون الأخرى من أبناء النسيج الاجتماعي، وعندما ينافح الكاتب عن مجموعة دون الأخرى تكون المنافحة أداة شطر للوحدة الوطنية، ولأن لكل فئة تحزبات ظاهرة أو مستترة تكون النتيجة إشعال أحقاد وهمية، في حين أننا نمر بظروف دقيقة على المستوى العسكري والاقتصادي والاجتماعي، وهي ظروف تحمل كل كاتب مسؤولية الوحدة الوطنية. وإذا كان جل الكتاب -في السابق- يتسابقون على رفض الطائفية، فمن باب أولى الإصرار على هذا الموقف من غير الانجذاب لما تمليه المذهبية التي تؤمن بها ككاتب، فما تؤمن به بينك وبين ربك، بينما حماية الوطن بينك وبين مسؤوليتك أمام الجميع. ولأن فئة كبيرة من المواطنين والكتاب رفعوا شعار نبذ الطائفية، على هؤلاء أن ينشطوا -الآن- في مواجهة أي تحزبات فئوية أو مذهبية أو عرقية، وأن تكون مجابهتهم برفع حماية الوطن كهدف رئيسي ووحيد. ولأن الكتاب هم أكثر مطالعة ودراية بما يحاك ضد هذا الوجود، عليهم أن لا يظهروا عضلات سواعدهم في المكان الخطأ، وأن يكون الخطاب الحاوي لكل أفراد الوطن من خلال ضمير (نحن) وليس هم. [email protected]