المرجع في هذا الموضوع قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ويدخل في معاني الاستطاعة صحة البدن، بالإضافة إلى القدرة المالية وهذا من دلائل الاقتضاء. فيصبح حمل المرضى وتحجيجهم محمولين على الأسرة بعيدا كل البعد عن الحكم الشرعي ومقاصده ومعاني الآية ودلالاتها. وقبل مناقشة هذا الموضوع أشير إلى ما نشرته الحياة عن فرض هيئة الطيران المدني غرامة 50 ألف ريال على شركات الطيران التي تنقل نساء للحج بدون محارمهن. فهل المحرم شرط في صحة حجة المرأة؟! أورد البخاري في صحيحه (الحديث رقم 1860) أن سيدنا عمر أذن لزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام بالحج وبعث معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف، ولم يكن أي منهما محرما لأي من زوجاته عليه الصلاة والسلام. قال ابن حجر في فتح الباري (552/4) واستدل بهذا الحديث على جواز حج المرأة بدون محرم وإنما يكفي الرفقة الصالحة. لاسيما أن مسلمي أفريقيا على المذهب المالكي المشهور عنه جواز الحج بدون محرم. وعودة إلى مسألة تحجيج المرضى وحملهم على الأسرة والطواف والرجم عنهم في إرباك واضح للحج وفوضى غير مبررة على خلاف الأصل في شرعه تعالى. فالذي عليه أهل العلم أن المرء إن لم تتوفر لديه الاستطاعة البدنية والمالية فإن الحج غير وارد في حقه. قال الباجي في المنتقى (3/450): فالآية وردت مقيدة لمن استطاع السبيل إلى البيت ومن لم يستطع السبيل إليه لم يتناوله الأمر ولا يجب عليه الحج. وقال القرطبي في البحر المحيط (3/2): أن استطاعة السبيل الصحة وأجمعوا أن المريض لا يلزمه الحج وليس كما تفعل وزارة الصحة. ذكر ابن حجر في فتح الباري (4/154) قوله عليه الصلاة والسلام في معنى الاستطاعة وهو توفر الزاد والراحلة. واستدلوا بدلالة الاقتضاء الصحة في البدن لأن توفر الراحلة يقتضي عقلا استطاعة الركوب وهذا من مستلزماته الصحة في البدن، فإذا سقط الحج لعدم الاستطاعة فلا يكون للإنابة في الحج أي معنى. إن ما تقوم به وزارة الصحة من حمل المرضى على الأسرة وبالإسعافات إلى المشاعر والرجم والطواف عنهم كل هذا في غير محله. وثمة حادثة أخرى تقع في أيام الحج وهو إقامة الصلوات الخمس في المسجد الحرام في وقت عامة المصلون فيه هم من الحجاج. والواجب في حق الحجاج قصر الصلوات وجمعها كما ذكره القرطبي في الأحكام (5/356) وابن الهمام في فتح القدير (2/36). وقد مكث الرسول عليه الصلاة والسلام نحو تسعة عشر يوما عام الفتح يقصر ويجمع ويقول لأهل مكة: يا أهل مكة أتموا فإنا على سفر، فالواجب في حق الحجاج جمع وقصر الصلوات طيلة إقامتهم في مكةالمكرمة. والواجب في حق إدارة شؤون الحرمين مراعاة ذلك وجمع وقصر الصلوات أيام الحج كلها وتقام الصلوات في مساجد مكة تامة. ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر المؤذن في الأذان بعبارة صلوا في رحالكم لمجرد هطول شيء من الأمطار أو البرد كما جاء في صحيح البخاري (1/227) ومسلم (5/195). بل قد قصر الرسول وجمع في المدينة من غير سفر ولا مرض ولا مطر وقال (لكيلا تحرج أمتي) ذكره البخاري (1/227) وهل من حرج في أيام الحج أكبر من تلاحم أجساد الحجاج في صحن الطواف والموت محدق بهم؟ فالجماعة ليست شرطا في صحة الصلاة كما ذكره البهوتي في الروض (90) بينما الركوع والسجود من أركان الصلاة التي لو تركها المرء سهوا أو عمدا أو جهلا بطلت صلاته. وإقامة الصلاة جماعة في المسجد الحرام في خضم تلاحم الأجساد وتلاطمها والموت محدق بهم يستحيل معه قطعا الركوع والسجود، فتكون صلاة الحجاج الذين صلوا من غير ركوع ولا سجود باطلة. [email protected]