عندما كنا طلبة على مقاعد الدراسة قبل نحو نصف قرن كنا نرى بعض زملائنا يمزقون كتبهم الدراسية ويلقون بها على قارعة الطريق المؤدية إلى أحيائهم ومنازلهم، ولم يكونوا في طيشهم يستمعون لنصح من ينصحهم ويذكرهم بأن في الكتب الممزقة آيات قرآنية وأسماء الله الحسنى وأحاديث نبوية وعلوما نافعة، حتى أصبح ما يفعلونه في حينه مصدر شكوى وملاحظة من المجتمع التربوي والعام وكان على رأس وزارة المعارف آنذاك الرجل الطيب الشيخ حسن آل الشيخ فتشاور مع أركان وزارته حول السبل المثلى للحفاظ على الكتب الدراسية من أن تمزق وتمتهن من قبل بعض الفتية من طلاب التعليم العام لاسيما الذين يكونون في سن المراهقة فأشاروا عليه بحل بسيط وعملي ونافع وهو أن يبلغ جميع الطلاب في المدارس المتوسطة والثانوية على وجه التحديد بأنه لن يتم تسليمهم الكتب الدراسية الخاصة بالعام القادم إلا إذا سلموا جميع الكتب التي استلموها في بداية العام الذي قبله، وقد آتت الفكرة التربوية الجيدة أكلها حتى رأينا بعض زملائنا لا يكتفي بالمحافظة على كتبه من التمزيق والتلف بل إنه يهتم بإعادتها آخر العام الدراسي كأنه استلمها للتو من المطبعة لأنه كان يغلفها بالنايلون بعناية من جميع الجوانب ويحرص على عدم تمزق صفحة واحدة منها فإذا أعادها على تلك الحالة صفق له معلموه وحيوه على نظافته وعنايته بكتبه وسلموه كتبه الجديدة فيأخذها وينصرف وقد امتلأ قلبه الصغير بالسعادة والرضى على ما ناله من تحية وتقدير. وقد استمر العمل بنظام استرجاع الكتب المستعملة من الطلاب حتى بعد تخرجنا وعملنا معلمين في المدارس فلم نكن نسلم الطالب كتبه الجديدة إلا بعد أن يسلم كتبه القديمة مع التجاوز في حالة نقص أو فقدان أو تلف بعضها، أما الكتب المستعملة فكانت لها عدة استعمالات، منها أن يبقى بعضها في مستودع المدرسة لإعطائها للطالب الذي يفقد كتابه أو يتعرض للتلف دون قصد، كما أن بعض تلك الكتب كانت تهدى لمدارس الجاليات الموجودة في مكةالمكرمة بدل اضطرارها للشراء من الأسواق. المهم أن ذلك التدبير من قبل الوزير بناء على ما قدمه رجاله من أفكار، أدى إلى قطع دابر تمزيق الكتب ورميها في الطريق، واستمر ذلك النظام قائما حتى جاءت فترة الطفرة الأولى وزادت الفلوس وظن القائمون على شؤون التربية والتعليم أن ذلك الإجراء كان المراد منه توفير الكتب المستعملة لإعادة الاستفادة منها، وأنه ما دام أنه توجد وفرة في بند طباعة الكتب المدرسية فلا داعي لمطالبة الطلاب بإعادة كتبهم القديمة سليمة قبل استلام الكتب الجديدة، وغاب عنهم أن الهدف من ذلك الإجراء لم يكن ماديا وإنما كان تربويا وأن تطبيقه في حينه أدى إلى اختفاء ظاهرة امتهان الكتب الدراسية التي تطل برأسها عقب الاختبارات النهائية وإقبال العطلة الصيفية، فكان أن عاد الكتان كما كان وبدأت الشكوى تظهر من جديد وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تجسيد بشاعة ذلك التصرف وما يمثله من امتهان للعلم وكتبه وكل ذلك لن يفيد في شيء وإنما المفيد أن تعود المداس إلى نظامها القديم فلا يسلم الطالب كتبه الجديدة إلا إذا سلم كتبه القديمة سليمة أو شبه سليمة مع قليل من التجاوز والمرونة في هذا الشأن ولا بأس من أن تقدم كل مدرسة عشر جوائز لأفضل عشرة طلاب حافظوا على كتبهم وتكون الجوائز رمزية لا تحتاج إلى ميزانية وإنما من دخل المقاصف المدرسية وفي حدود قلم بمائة ريال أو حقيبة أو نحوها يستفاد من الكتب المسترجعة كهدية لمدارس الجاليات أو للمدارس الإسلامية التي تطبق المنهج السعودي في الخارج أو لتخفيف نفقات طباعة الكتب بنسبة معينة بإعادة توزيع الكتب المستعملة النظيفة جدا على الطلاب مرة أخرى.