أخيرا تم افتتاح حديقة الكائنات البحرية «فقيه أكواريوم» على كورنيش جدة بعد انتظار زاد عن عشرين عاما وبعد أن يئسنا من إكمال المشروع الذي تعرقل لأسباب تنظيمية وخلافات بين جهات مختلفة يصعب تحديدها ولا داعي الآن للخوض فيها، ويكفي أن نقول على مضض ربما كان «كل تأخيرة فيها خيرة» ونحمد الله على أننا عشنا لنرى ولادة المشروع وقد تم إكماله على المستوى الجيد الذي هو عليه. أخذت عددا من أفراد العائلة في زيارتنا الأولى التي لا شك ستعقبها زيارات كثيرة. أعادت لنا الزيارة ذكريات رحلات جميلة مختلفة إلى عدة مدن سياحية كان برنامجنا لا يخلو فيها أبدا من زيارة حدائق الحيوان وحدائق الكائنات البحرية وحدائق الزهور والمنتزهات الطبيعية أينما توفرت هذه الأماكن. بدا الأطفال مندهشين من توفر مثل هذا المكان في مدينتهم وعلى بعد «رمية حجر» من الحي الذي نقيم فيه وأخذوا يعددون الجوانب التي تتميز بها هذه الحديقة عن مثيلاتها في أماكن أخرى. غص المكان بالزوار على الرغم من أن الوقت لم يكن يوم إجازة طويلة أو عطلة نهاية الأسبوع. لم تقتصر المتعة على الأطفال بل شملت كل الأعمار بما في ذلك كبار السن الذين كانوا يتنقلون على كراسيهم المتحركة. مشاهدة آلاف الأنواع المختلفة من الأسماك بألوانها الزاهية وأحجامها المختلفة دائما تبعث البهجة في النفس. بالإضافة إلى الأسماك هناك العديد من الكائنات الأخرى مثل المحار والقشريات والمراجين وقناديل البحر وغيرها. كثير من هذه الأنواع يعيش بالقرب منا في بحرنا الذي ننظر إلى سطحه ولا نرى ما يحوي عالمه الفريد من أنواع الكائنات العجيبة عدا ما يشاهده ممارسو رياضة الغوص وهم أقلية بسيطة. استمتع الأطفال بلمس بعض الكائنات التي يسمح بلمسها تحت إشراف الموظف المختص مثل نجم البحر. لم يقتصر الأمر على التسلية بل أثار منظر هذه المخلوقات حب الاستطلاع، خاصة عند الأطفال فبدؤوا يسألون عن أسماء هذه المخلوقات وطباعها وكيفية حياتها. ثم جاء عرض الدلافين تتويجا للزيارة، حيث امتلأ المسرح بكامل طاقته وصفقنا طويلا لهذه الحيوانات الذكية وهي تستجيب لإشارات مدربيها وتقفز عاليا في حركات بهلوانية متناسقة أو ترقص فوق الماء وكأنها تمشي على ذيولها. من أجمل ما يميز الحديقة إطلالتها البحرية الساحرة سواء في النهار أو بعد الغروب حين تنعكس الأنوار على الأمواج والصخور مذكرة إيانا بجمال بحر جدة الذي افتقدناه في أماكن كثيرة. لا شك أن افتتاح هذه الحديقة سيشكل نقلة مهمة لكورنيش جدة وسيكون نقطة جذب سياحي رئيسة بها وعاملا على تشجيع مشاريع سياحية أخرى متميزة تسد حاجة بلادنا ومواطنينا المتزايدة. كما أنه سيكون جهة تعليمية مهمة تستفيد منها المدارس والجامعات. ومن أهم ما أتوقعه من فوائد لهذا المشروع هو فتح أعيننا على الجوانب الخفية من البيئة التي كثيرا ما نجهلها أو نهملها أو لا نعبأ بها حتى أننا، للأسف، نشارك في تدميرها عن قصد أو بدون قصد. أخيرا لا شك أن مشروع الحديقة البحرية يبرهن بطاقمه الجيد من الشباب السعوديين والشابات السعوديات على طاقة هذه المشاريع على توظيف آلاف الشباب من أبناء الوطن وعلى قدرة أبنائنا على إدارة مثل هذه المشاريع السياحية بمهنية وكفاءة عاليتين. أقدم الشكر لكل من كان وراء إنشاء وإدارة هذا المشروع، خاصة الشيخ عبدالرحمن فقيه وكل أفراد مؤسسته، متمنيا أن يحقق لهم المشروع أقصى درجات النجاح. ولا شك أن الشكر مستحق لكافة الجهات الحكومية التي ساعدت على إخراج المشروع وحل المشاكل التي صادفته. أختتم بسؤال أوجهه لكل من زار أو سيزور الحديقة البحرية الجميلة في جدة ويطلع على كائناتها المدهشة: أليس من المخجل والمعيب إن لم يكن من الجهل ومن الجنون، أليس من الظلم والتعدي أن نطلق على هذه الكائنات المدهشة كافة القذارات والملوثات التي تفرزها مدننا فنقضي عليها وهي في عقر دارها بدل أن نتعرف عليها ونستمتع بها ونستفيد منها؟ للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة