في مقال السبت الماضي كان الحديث عن الجدل بين سؤال التنمية وسؤال الديمقراطية بين الأطراف المختلفة حول أسبقية أحدهما على الآخر، وقد ذهبنا إلى طرح فكرة السؤال داخل هذين المفهومين وإعادة النظر فيهما ومدى تداخلهما التداخل الذي لا يعني أسبقية واحد على آخر؛ بل من خلال مفهوم «الإفضاء» أي العمل على تقاربهما على اعتبار أنهما يفضيان لبعضهما. وفي المقال ذهبنا إلى طرح مفهوم «تنمية الديمقراطية» وفي الحقيقة أنه مفهوم قد سبقنا إليه كثيرون وقد طرحها أكثر من كاتب وصدر كتاب بذلك من قبل مجموعة باحثين عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان: «الديمقراطية والتنمية الديمقراطية في الوطن العربي». والذي نذهب إليه هو في إعادة النظر في علاقة المفهومين بين بعضهما: سؤال التنمية وسؤال الديمقراطية، وهذا السؤال لا يعني محاولة إعادة الفهم بقدر ما هي رؤية تحاول مناقشة إشكالياتهما بشكل أكثر تعميقا، واستكناه كل المقومات التي يقوم عليهما المفهومان لا من الناحية الاقتصادية بوصفها محور ارتكاز التنمية في العالم العربي، فحسب، وإنما أيضا مقوماتها الاجتماعية والفكرية والدينية والثقافية والعمل على محاولة النهوض بها جميعا من خلال التنمية والديمقراطية معا دون فصلهما أو تقديم أحدهما على الآخر أو وضع أولوية عملية دون أخرى. التجربة الديمقراطية من غير تنمية بشرية وثقافية واقتصادية تبقى عملية «صنادقية» لا غير، قد تأتي بأكثر معادي الديمقراطية إلى سدة الحكم والانقلاب على الأوضاع، كما أن التنمية من غير العمل على المبادئ الديمقراطية وتفعليها تعيق حركة التنمية لكونها لم تشرك المجتمع في العملية الرقابية والتنموية، فتكون هناك هوة شاسعة بين المجتمع والدولة، فتتحول التنمية إلى عامل استبدادي أكثر من كونها عامل رفاهية شعبية من خلال إشكالية التضخيم الاقتصادي الذي يمكن أن يكون معيقا للتنمية نفسها فيما بعد، وتصبح ثقلا على الدولة في الوقت الذي كانت تبحث فيها عن تنمية مستدامة ومتوازنة. وإذا كانت الديمقراطية هي تعبير عن حركية المجتمع في تداول السلطة، فإن التنمية هي ذلك الحراك نفسه والهدف الذي تسعى له الديمقراطية لكن هذا لا يعني ترك العمل على الديمقراطية في تحقق التنمية لكون الوسائل ضرورية للغايات والأهداف والفصل بين الغايات والوسائل عمل براجماتي بحت وهي لعبة سياسية لها أهداف أبعد من سؤال التنمية أو الديمقراطية بل إن الغايات والأهداف أحيانا تتوحد فلا يكون هناك فرق بين الوسيلة والغاية، وإن كان هذا راجع إلى المبادئ الأخلاقية أكثر من السياسية لكن بدأ العالم يتجه إلى محاولة فرض الأخلاق داخل العمل السياسي فلم تعد الغايات تبرر الوسائل.. الديمقراطية والتنمية متلازمتان التلازم الذي يعني العمل عليهما معا، من خلال العمل على مفهوم «التنمية الديمقراطية». لقد كانت هناك العديد من التجارب الديمقراطية والتنموية في أكثر دول العالم خاصة في جانبها الغربي وبعض دول الشرق التي أثبتت أن هناك علاقة بين المستوى الديمقراطي وتطور قوى الإنتاج فالنمو تتضافر فيه عوامل كثيرة لعل العمل على التطور الديمقراطي أحدها كونها علاقة تنظيمية «إشراكية» بين الدولة والمجتمع من أجل بناء تنمية تقوم على إنتاجية المجتمع نفسه، وليست تنمية استهلاكية، وهنا يكون من الضروري العمل على تنمية الديمقراطية داخل الدول ذات التضخم الاقتصادي لضمان استدامة التنمية. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 402 مسافة ثم الرسالة