كما أن المرض لا يمكن علاجه إلا بفهم الأصل الذي تولد عنه وليس فقط بمحاصرة الأعراض، فكذلك هو حال الظواهر النفسية والاجتماعية السلبية. وبالنسبة لظاهرة التفحيط فهي ليست مجرد سلوك طائش إنما له أصل نفسي جذري ويجب التعامل مع ظاهرة التفحيط من منطلقه، والأصل النفسي الذي يولد الرغبة في التفحيط خاصة لدى من يتميزون بالتركيبة الجينية والهرمونية التي تقوي فيهم تلك القابلية هو إرادة في إثبات الذات الذكورية والانتقال من عالم الطفولة وألعابها الآمنة إلى عالم الكبار وألعابهم الخطرة الحدية العواقب، والذات الذكورية تشعر أن إثباتها يكون عبر منافسة تتجرأ على الخطر، ولذا مارس الإنسان منذ القدم ما يسمى في علم النفس ب«طقوس البلوغ- Rite of passage» وتتمثل باحتفالية تقام للفتية الذين يعتبر أنهم بلغوا سن الانتقال من مرحلة الطفولة إلى البلوغ ويتم خلالها تكليفهم بتحدٍ يتضمن عنصر الخطر المهدد لحياتهم ليثبتوا أنهم صاروا رجالا لايخافون كالأطفال، كذهاب الفتى للغابة لاصطياد أسد ومواجهة الحيوانات المفترسة لفترة لوحده، فالنفسية الذكورية لا تشعر أنها أثبتت ذاتها إلا عبر التحدي الاستثنائي.. وفي المجتمعات المتحضرة كاليونان تم تحويل تلك الطقوس العنيفة إلى طقوس رمزية تمثلت في رياضات القوى التنافسية أو «خدمة العلم» أي التجنيد العسكري المؤقت، لكن عندما تغيب مثل هذه الأوجه المشروعة لإثبات الذات الذكورية للفتية تتولد ظواهر مثل الانضمام لعصابات الشوارع والجماعات الإرهابية وجماعات الشجار بين مشجعي نوادي الكرة «الهوليجنز» والتفحيط.. وفي المجتمعات الفقيرة الشباب يعملون مع الدراسة فيثبتون ذاتهم بالعمل بينما لدينا الشاب قد لا يعمل حتى الثلاثين، ولهذا فعلاج ظاهرة التفحيط بشكل جذري يتطلب إيجاد وسيلة جماعية بديلة للشباب لإثبات ذاتيتهم بشكل آمن. [email protected]