مكة المكرمة، أطهر البقاع وأنفسها نورا وعطرا، فعلى ثرى أوديتها كان مولد نبي، وانبعاث رسالة وحضارة أمة، وتحت ظلال أروقة حرمها الآمن بزغ نور العلم ليضيء مشارق الأرض ومغاربها، فكان مصدر إشعاع لا يمكن أن تتجاهله صفحات التاريخ الهجري دون التوقف عند أسبقية أوأولوية تسجل لأهل مكة ورجالاتها، وعندما تتعاطف قلوبنا مع أي شأن مكي لا يكون ذلك بدافع انتساب مكاني أو عاطفة عابرة؛ ولكن لإيماننا بأن أم القرى لابد أن تبقى رمزا جميلا دائما وحضارة متجددة تبرز شبابها وشيبها في أبهى وأزهى حلة. إن الحديث عن الرياضة في مكة، وخصوصا كرة القدم حديث ذو شجون، فدائما ما يتغنى به المؤرخون ويستعيدون ذكرى النشأة الأولى لكرة القدم وبعض الصور الوضاءة التي رسمتها الوحدة ورفرف على خلفيتها (العلمان). لم تعد تلك الذكريات حديث الساعة، بعد أن هوى الممثل الأوحد (نادي الوحدة) وبحسابات خاطئة إلى دوري المعاناة، بينما ظل نادي حراء وكما عهدته اسما لا يغادر أحياء مكة ويخطو متثاقلا دون (كفاح) أو طموح. ولسنا هنا لسرد الفصول الدرامية التي مر بها نادي الوحدة، والتي جعلت منه مسرح صراعات ولأهداف ليس من المناسب ذكرها في هذه المرحلة التي تشكل منعطفا (خطيرا) في مسيرة النادي الذي يبحث عن نقاط قادمة (تجب) ماقبلها من إنكسارات وتعيد النادي الأحمر العريق إلى منزلته التي تليق بمدينته وتاريخه وعشق محبيه. لقد حقق نادي الوحدة وبعد سنوات طويلة يصعب حصرها أكبر مكتسباته والمتمثلة بتعيين ابن الوحدة البار علي داود رئيسا لهذا الكيان، والذي يشكل تعيينه من وجهة نظري حجر أساس لبناء مستقبل واعد (نظيف)، شريطة أن يستشعر كل محبي الوحدة بضرورة تجاوز الخلافات والاختلافات والالتفاف حول الرجل بكل صفاء نية ونقاء سريرة، فهو لا يشكل مجرد اسم رياضي فقط ولكنه عبارة عن (مجموعة إنسان) قد تحسد الوحدة على رئيس مثله. ولا أعتقد بأن الوحدة في هذه الحقبة بالذات بحاجة إلى المزيد من التنظيرات والاجتهادات، ذلك أن المنهجية التي خطها الرئيس والتي تعتمد على مشورة أصحاب الخبرة والحكمة في المجال الرياضي والتربوي، كفيلة بإنتشال النادي من التخبطات التنظيمية السابقة، إلا أنه وبالرغم من ذلك فسيظل نجاح هذه الإدارة بعد توفيق الله مرهونا بإكسير الرياضة (المال) والذي تعاني الوحدة من شح مستمر فيه نتج عنه وفي حقبة سابقة هجرة أفضل لاعبي المملكة على الإطلاق إلى أندية أخرى لم يكن وقتها بوسع أي إدارة وقف هذا النزف في ظل الإفلاس المادي ومقصلة الاحتراف. ولعلني أناشد قطبي الغربية الأهلي والاتحاد بضرورة مواصلة وتكثيف دعمهما (المادي) لرفيق الدرب التاريخي وتكريس العلاقة الجميلة الضاربة في الجذور، كما أتمنى وربما (أحلم) بأن يكون هنالك ميثاق شرف بين الأندية قاطبة بالكف عن صيد (النجوم)، وذلك إكراما للمكان وساكنيه.