لا يحتاج الإنسان لأن يكون خبيرا ليدرك أن الواقع العالمي يعاني من خلل واضح، ليس أقله خوض حروب يذهب ضحيتها الملايين بمبررات مفبركة، والكل يشعر بوجود حاجة حقيقية للإصلاح، لكن للأسف يسود في الثقافة المتشددة أن إصلاح العالم يتأتى بالعمليات الإرهابية وتفجير أنفسهم «خبط عشواء»، ولا يبالي معتنقو التشدد بتبعات أفعالهم على الأبرياء من ضحايا تلك العمليات، ولا على مليار مسلم صارت حياتهم محفوفة بالمضايقات والصعوبات والاضطهاد لارتباط سمعة الإسلام بالإرهاب، وكل تفكيرهم هو في ابتداع طرق أكثر تضليلا وتحايلا في قتل الغيلة الخالي من نبل وكبرياء جهاد الحق والحقيقة، بوضع المتفجرات في أحذيتهم وملابسهم الداخلية وموضع العورة ومع الأطفال والنساء والمعوقين عقليا لتسلط على المدنيين الذين منع الإسلام استهدافهم، والنتيجة.. بات الناس في المطارات مجبرين على الخضوع للتفتيش الشخصي وخلع أحذيتهم وتصويرهم بجهاز يظهر الجسد عاريا، وكل هذا الإذلال وانتهاك الخصوصيات هو بسبب تلك الفئة التي تتوهم أنها ستصلح العالم بالإرهاب وبالتفنن بجعل التحريم هو الأصل والحلال قائمته قصيرة جدا، كما في مثال حركة «الشباب» الصومالية المتطرفة العنفية التي أعلنت تحريم ارتداء النساء لحمالة الصدر الداخلية قياسا على تحريم وصل الشعر، وأقاموا حواجز تفتيش للنساء للتأكد من عدم ارتدائهن لها ويجبرون النساء على هز أنفسهن أمامهم للتأكد من أنهن لا يرتدينها! ومن ضبطت ترتديها نفذ فيها حكم الجلد علانية! وقتلوا من ضبطوه يشاهد مباريات المونديال بعد أن حرموها، وطالبان حرمت أيضا الرياضة وتعليم الفتيات وصارت تفجر مدارسهن في باكستانوأفغانستان وتلقي الأحماض الكاوية على وجوههن، وحركة «بوكو حرام» المتطرفة في نيجيريا حرمت تعلم العلوم الحديثة. في هذا الوقت، وعلى الضفة الأخرى، نشط الناشطون في مجال إحداث إصلاح حقيقي في العالم بابتكار وسائل لمعالجة وإصلاح الواقع ضمن إطار المصلحة العامة والنظم العامة، كما في فتح مجالات إعلامية للحقائق المخالفة للدعاية الإعلامية السياسية المغرضة وصناعة البرامج الوثائقية المؤثرة التي تولد وعيا وزخما للتغيير، وجهود الحقوقيين والقانونيين في الدفاع عن المستضعفين كما الحال مع المحامين المتطوعين للدفاع عن معتقلي جوانتنامو وكلهم أمريكيون وغربيون، ولولاهم لما انتبه العالم لمأساة المعتقلين ولما أفرج عن الكثيرين منهم، والمحامون الغربيون الذين تطوعوا لرفع قضايا لصالح ضحايا الغزو العراقيين، وكذلك المحامون الذين رفعوا قضايا ضد زعماء إسرائيل وجعلوهم يشعرون بأنهم محاصرون واضطر العديد منهم لإلغاء زياراتهم لدول غربية لأن الناشطين الحقوقيين رفعوا ضدهم قضايا جرائم حرب، وحركة المتضامنين الدوليين مع الفلسطينيين أدت لأكبر انقلاب في ميزان الصورة الإعلامية للكيان الصهيوني منذ تأسيسه، وويكيليكس هي واحدة من الوسائل المبتكرة لتلك الجبهة العالمية الناهضة الناشطة في مواجهة عناصر الفساد والظلم والطغيان في الواقع العالمي، تأسست عام 2006، وهي عبارة عن موقع إلكتروني يعمل فيه بشكل تطوعي صحافيون وخبراء تقنيون ومحامون وحقوقيون ويمكن للشخص أن يرسل لهم ما بحوزته من وثائق سرية تتضمن معلومات تساعد على إحقاق الحق وإعطاء العدالة للضحايا، وكانت رؤية مؤسسه الأسترالي جوليان أسانج بأن الصحافة التقليدية ليس لها تأثير على مسار الأحداث لصالح المستضعفين لأنها قائمة على آراء شخصية والدعاية السياسية، ونظرا لخلفيته كنابغة في البرمجيات واختراق الأنظمة والرياضيات أراد تأسيس نوع جديد من الصحافة قائم على استغلال التقدم التقني وقوة المعلومات من مصادرها الأصلية، ومنذ أن بدأت التسريبات الكبرى عبر موقع ويكيليكس قال مطلعون بأنه لو كان الموقع موجودا قبل أحداث 11سبتمبر وغزو العراق لما كان ربما كلا الحدثين قد وقع، ففي كلا الحدثين كانت هناك معلومات مسبقة لو كانت تسربت وانتشرت ربما لما كان الحدثان وقعا. ومن التسريبات الكبرى قدم الموقع للعالم صورا لقتل الجيش الأمريكي مدنيين في العراق وأفغانستان، وقدم تسريبا ل 76.900 وثيقة سرية للجيش الأمريكي عن يوميات الحرب في أفغانستان ثم 400 ألف وثيقة مشفرة عن الحرب في العراق فصمم فريقه برنامجا لفك تشفيرها، وتقنيا جعلوا من المستحيل تتبع أثر مرسلها، وأهم ما كشفته تعداد ضحايا غزو العراق بينما كان الأمريكيون يدعون أنهم لا يحصونهم وإظهار مدى لا مبالاتهم بقتل المدنيين، ومما تضمنته حادثة اغتصاب ضابط أمريكي لفتاة عراقية في حديثة بالأنبار، ولما حاول شقيقها الانتقام أمر الضابط بأخذه للسجن ثم أمر جنوده بقطع رأسه، وتضمنت ذكرا لوقائع عثورهم على مقرات تعذيب للمدنيين وقتلهم بدوافع طائفية لكن القيادة الأمريكية أمرتهم بعدم التدخل، ومن الحوادث المذكورة أنهم عثروا على جثمان طفل في السادسة عذب حتى الموت وجسده كان مليئا بالثقوب الناتجة عن التثقيب بالمثقاب الكهربائي، ونشر الموقع وثائق مسربة عن فساد مؤسسات وبنوك وبخاصة بالنسبة لأزمة الانهيارات الاقتصادية، ودليل الإجراءات في جوانتنامو والذي فضح أنهم يخفون معتقلين عن الصليب الأحمر. وما تثبته ويكيليكس وأمثالها أن هناك وسائل فاعلة سلمية يمكن تبنيها لتصحيح الأوضاع المختلة في العالم وتولد ردة فعل مؤيدة للقائمين بها بخلاف الإرهاب الذي يعطي الخصوم ذخيرة للمزيد من المظالم بحجة مكافحة الإرهاب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة