كان شيء من المعاناة في مناهج تعليمنا يكمن في ضخامتها وتركيزها على كتب عميقة تفوق استيعاب الطلاب. كان شيء من التشدد أيضا يسكن في بطون تلك الكتب على اختلاف مراحل تعليمها. اليوم أصبح الوضع أفضل بكثير، فاختفت الشدة، وتقلصت عبارات القسوة تجاه الآخرين أو تكفيرهم أو تحقيرهم. لقد كانت محاولات الإصلاح التعليمي، خاصة للمناهج الدينية، محاولات جيدة فرضتها الحاجة ربما أكثر منها فضيلة المحبة للغير. لكن أيا كان الدافع وراء تلك الإصلاحات، فقد كانت خطوة موفقة ومطلوبة ولا شك. لكن هل اختفى، بعدها، التشدد من مدارسنا؟ على مستوى المناهج أقول نعم، ولو بتحفظ، لكن على مستوى المعلمين أقول لا بلا تحفظ. ذلك أني فوجئت ببعضهم وهو يحشو عقل طلابه بأفكار دينية لا وجود لها في المنهج الديني نفسه. بل إن بعضهم لا علاقة له بتدريس كتب الدين ولا هو مدرس دين، رغم ذلك يرى أن رسالته ليس تعليم الطالب ما هو مطلوب منه كمدرس رياضيات أو علوم، بل إن رسالته تكمن في نقل تشدده إلى العقول الصغيرة كما ولو كان مكلفا بمستقبل المجتمع كله ومصير الأمة كلها. لقد صدمت عندما سمعت طفلة صغيرة تسأل والدها أمامي عن عذاب القبر الذي أخبرتها معلمتها في المدرسة أنه ينتظر كل من ارتكب أدنى خطأ ولو كان دون سن العقل والبلوغ. لقد تجاوزنا إلى حد كبير مشكلة التشدد في بعض مناهجنا، لكن أغفلنا أن هناك من هو أكثر تشددا من أي منهج، ودون أن يتوانى عن نقل أفكاره وتشدده إلى عقول الصغار ليملأها بأفكار ترعب الكبار أنفسهم. كيف لنا أن نتخيل مستقبل طالب له معلم يكفر هذا ويجرم ذاك بلا رقيب أو حسيب؟ هل نتوقع له أن يصبح رائد فضاء أو مهندسا عظيما أو مفكرا يستنير الناس بفكره؟ إن أقصى ما سيصل إليه مستقبل طالب له معلم كهذا هو إنسان معزول عن الناس، لا هو قادر على التواصل معهم، ولا هم قادرون على استيعابه أو حتى قبوله. وبدلا من أن يصبح عنصر بناء لمجتمع قادم سيكون عنصر هدم لي ولك وللجميع. يجب أن ينظر إلى ما يقدم من وجبات فكرية للطلاب وراء أبواب المدارس المغلقة. فنحن إن تركنا بعض التشدد يتجول بحرية بين عقول الصغار، فلن نستفيد من كل جهود الإصلاح التعليمي في شيء، فما نفع إصلاح ثقب كبير في سقف مجتمعنا إن تركنا ثقبا أكبر على حاله؟ [email protected] للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة